وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون إنما بعث الله المرسلين أن يوحد الله وحده، ويطاع أمره، ويجتنب سخطه. القول في تأويل قوله تعالى:
(خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون) يقول تعالى ذكره معرفا خلقه حجته عليهم في توحيده، وأنه لا تصلح الألوهة إلا له:
خلق ربكم أيها الناس السماوات والأرض بالعدل وهو الحق منفردا بخلقها لم يشركه في إنشائها وإحداثها شريك ولم يعنه عليه معين، فأنى يكون له شريك. تعالى عما يشركون يقول جل ثناؤه: علا ربكم أيها القوم عن شرككم ودعواكم إلها دونه، فارتفع عن أن يكون له مثل أو شريك أو ظهير، لأنه لا يكون إلها إلا من يخلق وينشئ بقدرته مثل السماوات والأرض ويبتدع الأجسام فيحدثها من غير شئ، وليس ذلك في قدرة أحد سوى الله الواحد القهار الذي لا تنبغي العبادة إلا له ولا تصلح الألوهة لشئ سواه. القول في تأويل قوله تعالى:
(خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيضا الناس، أنه خلق الانسان من نطفة، فأحدث من ماء مهين خلقا عجيبا، قلبه تارات خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث، ثم أخرجه إلى ضياء الدنيا بعد ما تم خلقه ونفخ فيه الروح، فغذاه ورزقه القوت ونماه، حتى إذا استوى على سوقه كفر بنعمة ربه وجحد مدبره وعبد من لا يضر ولا ينفع وخاصم إلهه فقال من يحيي العظام وهي رميم ونسي الذي خلقه فسواه خلقا سويا من ماء مهين.
ويعني بالمبين: أنه يبين عن خصومته بمنطقه ويجادل بلسانه، فذلك إبانته. وعنى بالإنسان: جميع الناس، أخرج بلفظ الواحد وهو في معنى الجميع. القول في تأويل قوله تعالى:
(والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون)