وقال آخرون: معنى ذلك: مبعدون في النار. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أشعث السمان، عن الربيع، عن أبي بشر، عن سعيد: وأنهم مفرطون قال: مخسئون مبعدون.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه، وذلك أن الافراط الذي هو بمعنى التقديم، إنما يقال فيمن قدم مقدما لاصلاح ما يقدم إليه إلى وقت ورود من قدمه عليه، وليس بمقدم من قدم إلى النار من أهلها لاصلاح شئ فيها لوارد يرد عليها فيها فيوافقه مصلحا، وإنما تقدم من قدم إليها لعذاب يعجل له. فإذا كان معنى ذلك الافراط الذي هو تأويل التعجيل ففسد أن يكون له وجه في الصحة، صح المعنى الآخر وهو الافراط الذي بمعنى التخليف والترك وذلك أن يحكى عن العرب: ما أفرطت ورائي أحدا: أي ما خلفته وما فرطته: أي لم أخلفه.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المصرين الكوفة والبصرة: وأنهم مفرطون بتخفيف الراء وفتحها، على معنى ما لم يسم فاعله من أفرط فهو مفرط. وقد بينت اختلاف قراءة ذلك كذلك في التأويل. وقرأه أبو جعفر القارئ: وأنهم مفرطون بكسر الراء وتشديدها، بتأويل: أنهم مفرطون في أداء الواجب الذي كان لله عليهم في الدنيا، من طاعته وحقوقه، مضيعو ذلك، من قول الله تعالى: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله. وقرأ نافع بن أبي نعيم: وأنهم مفرطون بكسر الراء وتخفيفها.
حدثني بذلك يونس، عن ورش عنه.
بتأويل: أنهم مفرطون في الذنوب والمعاصي، مسرفون على أنفسهم مكثرون منها، من قولهم: أفرط فلان في القول: إذا تجاوز حده، وأسرف فيه.
والذي هو أولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة الذين ذكرنا قراءتهم من أهل العراق لموافقتها تأويل أهل التأويل الذي ذكرنا قبل، وخروج القراءات الأخرى عن تأويلهم. القول في تأويل قوله تعالى:
(تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم)