* (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) *.
يقول تعالى ذكره: ثم إن ربك يا محمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم وعشائرهم من المشركين، وانتقلوا عنهم إلى ديار أهل الاسلام ومساكنهم وأهل ولايتهم، من بعد ما فتنهم المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم، ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك بأيديهم بالسيف وبألسنتهم بالبراءة منهم ومما يعبدون من دون الله وصبروا على جهادهم إن ربك من بعدها لغفور رحيم يقول: إن ربك من بعد فعلتهم هذه لهم لغفور، يقول: لذو ستر على ما كان منهم من إعطاء المشركين ما أرادوا منهم من كلمة الكفر بألسنتهم، وهم لغيرها مضمرون وللايمان معتقدون، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها مع إنابتهم إلى الله وتوبتهم.
وذكر عن بعض أهل التأويل أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله (ص) كانوا تخلفوا بمكة بعد هجرة النبي (ص)، فاشتد المشركون عليهم حتى فتنوهم عن دينهم، فأيسوا من التوبة، فأنزل الله فيهم هذه الآية، فهاجروا ولحقوا برسول الله (ص). ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان قال: ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب النبي (ص) بالمدينة أن هاجروا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريش بالطريق، ففتنوهم وكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية.
حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
قال ابن جريج: قال الله تعالى ذكره: من كفر بالله من بعد إيمانه ثم نسخ واستثنى، فقال: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم