فتأويل الكلام إذن: من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره على الكفر فنطق بكلمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئن بالايمان، موقن بحقيقته صحيح عليه عزمه غير مفسوح الصدر بالكفر لكن من شرح بالكفر صدرا فاختاره وآثره على الايمان وباح به طائعا، فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ورد الخبر عن ابن عباس.
حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان فأخبر الله سبحانه أنه من كفر من بعد إيمانه، فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم. فأما من أكره فتكلم به لسانه وخالفه قلبه بالايمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه، لان الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين) *.
يقول تعالى ذكره: حل بهؤلاء المشركين غضب الله ووجب لهم العذاب العظيم، من أجل أنهم اختاروا زينة الحياة الدنيا على نعيم الآخرة، ولان الله لا يوفق القوم الذين يجحدون آياته مع إصرارهم على جحودها. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ئ لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون) *.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء المشركون الذين وصفت لكم صفتهم في هذه الآيات أيها الناس، هم القوم الذين طبع الله على قلوبهم، فختم عليها بطابعه، فلا يؤمنون ولا يهتدون، وأصم أسماعهم فلا يسمعون داعي الله إلى الهدى، وأعمى أبصارهم فلا يبصرون بها حجج الله إبصار معتبر ومتعظ. وأولئك هم الغافلون يقول: وهؤلاء الذين جعل الله فيهم هذه الأفعال هم الساهون عما أعد الله لأمثالهم من أهل الكفر وعما يراد بهم.
وقوله: لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون الهالكون، الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من كرامة الله تعالى. القول في تأويل قوله تعالى: