* (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدر فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) *.
اختلف أهل العربية في العامل في من من قوله: من كفر بالله ومن قوله : ولكن من شرح بالكفر صدرا، فقال بعض نحويي البصرة: صار قوله: فعليهم خبرا لقوله: ولكن من شرح بالكفر صدرا، وقوله: من كفر بالله من بعد إيمانه فأخبر لهم بخبر واحد، وكان ذلك يدل على المعنى. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هذان جزءان اجتمعا، أحدهما منعقد بالآخر، فجوابهما واحد كقول القائل: من يأتنا فمن يحسن نكرمه، بمعنى: من يحسن ممن يأتنا نكرمه. قال: وكذلك كل جزأين اجتمعا الثاني منعقد بالأول، فالجواب لهما واحد. وقال آخر من أهل البصرة: بل قوله: من كفر بالله مرفوع بالرد على الذين في قوله: إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ومعنى الكلام عنده: إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره من هؤلاء وقلبه مطمئن بالايمان. وهذا قول لا وجه له وذلك أن معنى الكلام لو كان كما قال قائل هذا القول، لكان الله تعالى ذكره قد أخرج ممن افترى الكذب في هذه الآية الذين ولدوا على الكفر وأقاموا عليه ولم يؤمنوا قط، وخص به الذين قد كانوا آمنوا في حال، ثم راجعوا الكفر بعد الايمان والتنزيل يدل على أنه لم يخصص بذلك هؤلاء دون سائر المشركين الذين كانوا على الشرك مقيمين، وذلك أنه تعالى أخبر خبر قوم منهم أضافوا إلى رسول الله (ص) افتراء الكذب، فقال: وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر، بل أكثرهم لا يعلمون وكذب جميع المشركين بافترائهم على الله وأخبر أنهم أحق بهذه الصفة من رسول الله (ص)، فقال: إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون. ولو كان الذين عنوا بهذه الآية هم الذين كفروا بالله من بعد إيمانهم، وجب أن يكون القائلون لرسول الله (ص) إنما أنت مفتر حين بدل الله آية مكان آية، كانوا هم الذين كفروا بالله بعد الايمان خاصة دون غيرهم من سائر المشركين لان هذه في سياق الخبر عنهم، وذلك قول إن قاله قائل فبين فساده مع خروجه عن تأويل جميع أهل العلم بالتأويل.