بينكم فجعلكم أهل ملل شتى، بأن وفق هؤلاء للايمان به والعمل بطاعته فكانوا مؤمنين، وخذل هؤلاء فحرمهم توفيقه فكانوا كافرين، وليسألنكم الله جميعا يوم القيامة عما كنتم تعملون في الدنيا فيما أمركم ونهاكم، ثم ليجازينكم جزاء المطيع منكم بطاعته والعاصي له بمعصيته. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم) *.
يقول تعالى ذكره: ولا تتخذوا أيمانكم بينكم دخلا وخديعة بينكم، تغرون بها الناس فتزل قدم بعد ثبوتها يقول: فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين. وإنما هذا مثل لكل مبتلي بعد عافية، أو ساقط في ورطة بعد سلامة، وما أشبه ذلك: زلت قدمه، كما قال الشاعر:
سيمنع منك السبق إن كنت سابقا * وتلطع إن زلت بك النعلان وقوله: وتذوقوا السوء يقول: وتذوقوا أنتم السوء وذلك السوء هو عذاب الله الذي يعذب به أهل معاصيه في الدنيا، وذلك بعض ما عذب به أهل الكفر. بما صددتم عن سبيل الله يقول: بما فتنتم من أراد الايمان بالله ورسوله عن الايمان. ولكم عذاب عظيم في الآخرة، وذلك نار جهنم. وهذه الآية تدل على أن تأويل بريدة الذي ذكرنا عنه في قوله: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم والآيات التي بعدها، أنه عني بذلك: الذين بايعوا رسول الله (ص) على الاسلام، عن مفارقة الاسلام لقلة أهله، وكثرة أهل الشرك هو الصواب، دون الذي قال مجاهد أنهم عنوا به، لأنه ليس في انتقال قوم تحالفوا عن حلفائهم إلى آخرين غيرهم صد عن سبيل الله ولا ضلال عن الهدى، وقد وصف تعالى ذكره في هذه