علامة للناحية المقصودة، والجبال علامات يهتدي بهن إلى قصد السبيل، وكذلك النجوم بالليل. غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله: وبالنجم هم يهتدون. وإذا كان ذلك أشبه وأولى بتأويل الآية، فالواجب أن يكون القول في ذلك ما قاله ابن عباس في الخبر الذي رويناه عن عطية عنه، وهو أن العلامات معالم الطرق وأماراتها التي يهتدى بها إلى المستقيم منها نهارا، وأن يكون النجم الذي يهتدى به ليلا هو الجدي والفرقدان، لان بها اهتداء السفر دون غيرها من النجوم. فتأويل الكلام إذن: وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا على طرقكم في أسفاركم. ونجوما تهتدون بها ليلا في سبلكم. القول في تأويل قوله تعالى:
(أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ئ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) يقول تعالى ذكره لعبدة الأوثان والأصنام: أفمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم عليكم هذه النعم العظيمة، كمن لا يخلق شيئا ولا ينعم عليكم نعمة صغيرة ولا كبيرة؟ يقول: أتشركون هذا في عبادة هذا؟ يعرفهم بذلك عظم جهلهم وسوء نظرهم لأنفسهم وقلة شكرهم لمن أنعم عليهم بالنعم التي عددها عليهم التي لا يحصيها أحد غيره، قال لهم جل ثناؤه موبخهم: أفلا تذكرون أيها الناس يقول: أفلا تذكرون نعم الله عليكم وعظيم سلطانه وقدرته على ما شاء، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه مقيمون من عبادتكموها وإقراركم لها بالألوهة؟ كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون والله هو الخالق الرازق، وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تخلق ولا تخلق شيئا، ولا تملك لأهلها ضرا ولا نفعا، قال الله: أفلا تذكرون.
وقيل: كمن لا يخلق هو الوثن والصنم، ومن لذوي التمييز خاصة، فجعل في هذا الموضع لغيرهم للتمييز، إذ وقع تفصيلا بين من يخلق ومن لا يخلق. ومحكى عن العرب: اشتبه علي الراكب وجمله، فما أدري من ذا ومن ذا، حيث جمعا وأحدهما انسان