تتخذون أيمانكم دخلا بينكم يغر بها، يعطيه العهد يؤمنه وينزله من مأمنه، فتزل قدمه وهو في مأمن، ثم يعود يريد الغدر، قال: فأول بدو هذا قوم كانوا حلفاء لقوم تحالفوا وأعطى بعضهم بعضا العهد، فجاءهم قوم قالوا: نحن أكثر وأعز وأمنع، فانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلينا ففعلوا، وذلك قول الله تعالى: ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا أن تكون أمة هي أربى من أمة هي أربى: أكثر من أجل أن كانوا هؤلاء أكثر من أولئك نقضتم العهد فيما بينكم وبين هؤلاء، فكان هذا في هذا، وكان الامر الآخر في الذي يعاهده فينزله من حصنه ثم ينكث عليه، الآية الأولى في هؤلاء القوم وهي مبدؤه، والأخرى في هذا.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: أن تكون أمة هي أربى من أمة يقول: أكثر، يقول: فعليكم بوفاء العهد.
وقوله: إنما يبلوكم الله به يقول تعالى ذكره: إنما يختبركم الله بأمره إياكم بالوفاء بعهد الله إذا عاهدتم، ليتبين المطيع منكم المنتهي إلى أمره ونهيه من العاصي المخالف أمره ونهيه. وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون يقول تعالى ذكره: وليبينن لكم أيها الناس ربكم يوم القيامة إذا وردتم عليه بمجازاة كل فريق منكم على عمله في الدنيا، المحسن منكم بإحسانه والمسئ بإساءته، ما كنتم فيه تختلفون والذي كانوا فيه يختلفون في الدنيا أن المؤمن بالله كان يقر بوحدانية الله ونبوة نبيه، ويصدق بما ابتعث به أنبياءه، وكان يكذب بذلك كله الكافر فذلك كان اختلافهم في الدنيا الذي وعد الله تعالى ذكره عباده أن يبينه لهم عند ورودهم عليه بما وصفنا من البيان. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون) *.
يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربكم أيها الناس للطف بكم بتوفية من عنده، فصرتم جميعا جماعة واحدة وأهل ملة واحدة لا تختلفون ولا تفترقون ولكنه تعالى ذكره خالف