جعلت عيب الأكرمين سكرا أي طعما. والثالث: السكون، من قول الشاعر:
جعلت عين الحرور تسكر وقد بينا ذلك فيما مضى. والرابع: المصدر من قولهم: سكر فلان يسكر سكرا وسكرا وسكرا. فإذا كان ذلك كذلك، وكان ما يسكر من الشراب حراما بما قد دللنا عليه في كتابنا المسمى: لطيف القول في أحكام شرائع الاسلام وكان غير جائز لنا أن نقول:
هو منسوخ، إذ كان المنسوخ هو ما نفى حكمه الناسخ وما لا يجوز اجتماع الحكم به وناسخه، ولم يكن في حكم الله تعالى ذكره بتحريم الخمر دليل على أن السكر الذي هو غير الخمر، وغير ما يسكر من الشراب، حرام إذ كان السكر أحد معانيه عند العرب، ومن نزل بلسانه القرآن هو كل ما طعم، ولم يكن مع ذلك، إذ لم يكن في نفس التنزيل دليل على أنه منسوخ، أو ورد بأنه منسوخ خبر من الرسول، ولا أجمعت عليه الأمة، فوجب القول بما قلنا من أن معنى السكر في هذا الموضع: هو كل ما حل شربه مما يتخذ من ثمر النخل والكرم، وفسد أن يكون معناه الخمر أو ما يسكر من الشراب، وخرج من أن يكون معناه السكر نفسه، إذ كان السكر ليس مما يتخذ من النخل والكرم، ومن أن يكون بمعنى السكون.
وقوله: إن في ذلك لآية لقوم يعقلون يقول: فيما إن وصفنا لكم من نعمنا التي آتيناكم أيها الناس من الانعام والنخل والكرم، لدلالة واضحة وآية بينة لقوم يعقلون عن الله حججه ويفهمون عنه مواعظه فيتعظون بها. القول في تأويل قوله تعالى:
(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) يقول تعالى ذكره: وألهم ربك يا محمد النحل إيحاء إليها أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون يعني: مما يبنون من السقوف، فرفعوها بالبناء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: