الفعل من الله على الخير، فلهذا افترقا ثم ابتدأ الخبر فقال: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة. وقد بينا القول في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
وقوله: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة يقول تعالى ذكره: للذين آمنوا بالله في هذه الدنيا ورسوله وأطاعوه فيها ودعوا عباد الله إلى الايمان والعمل بما أمر الله به حسنة يقول: كرامة من الله، ولدار الآخرة خير يقول: ولدار الآخرة خير لهم من دار الدنيا، وكرامة الله التي أعدها لهم فيها أعظم من كرامته التي عجلها لهم في الدنيا ولنعم دار المتقين يقول: ولنعم دار الذين خافوا الله في الدنيا فاتقوا عقابه بأداء فرائضه وتجنب معاصيه دار الآخرة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وهؤلاء مؤمنون، فيقال لهم: ماذا أنزل ربكم فيقولون خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة: أي آمنوا بالله وأمروا بطاعة الله، وحثوا أهل طاعة الله على الخير ودعوهم إليه. القول في تأويل قوله تعالى:
(جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين) يعني تعالى ذكر بقوله: جنات عدن بساتين للمقام، وقد بينا اختلاف أهل التأويل في معنى عدن فيما مضى بما أغنى عن إعادته. يدخلونها يقول: يدخلون جنات عدن.
وفي رفع جنات أوجه ثلاث: أحدها: أن يكون مرفوعا على الابتداء، والآخر: بالعائد من الذكر في قوله: يدخلونها، والثالث: على أن يكون خبر النعم، فيكون المعنى إذا جعلت خبر النعم: ولنعم دار المتقين جنات عدن، ويكون يدخلونها في موضع حال، كما يقال: نعم الدار دار تسكنها أنت. وقد يجوز أن يكون إذا كان الكلام بهذا التأويل يدخلونها من صلة جنات عدن. وقوله: تجري من تحتها الأنهار يقول: تجري من تحت أشجارها الأنهار. لهم فيها ما يشاءون يقول: للذين أحسنوا في هذه الدنيا في جنات عدن ما يشاءون مما تشتهي أنفسهم وتلذ أعينهم. كذلك يجزي الله المتقين