آخرون منهم يزعمون أن معناه: فإن الله لا يهدي من أضله، بمعنى: أن من أضله الله فإن الله لا يهديه. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والشام والبصرة: فإن الله لا يهدى بضم الياء من يهدى ومن يضل وفتح الدال من يهدى بمعنى: من أضله الله فلا هادي له.
وهذه القراءة أولى القراءتين عندي بالصواب، لان يهدي بمعنى يهتدى قليل في كلام العرب غير مستفيض، وأنه لا فائدة في قول قائل: من أضله الله فلا يهديه، لان ذلك مما لا يجهله أحد. وإذ كان ذلك كذلك، فالقراءة بما كان مستفيضا في كلام العرب من اللغة بما فيه الفائدة العظيمة أولى وأحرى.
فتأويل الكلام لو كان الامر على ما وصفنا: إن تحرص يا محمد على هداهم، فإن من أضله الله فلا هادي له، فلا تجهد نفسك في أمره وبلغه ما أرسلت به لتتم عليه الحجة. وما لهم من ناصرين يقول: وما لهم من ناصر ينصرهم من الله إذا أراد عقوبتهم، فيحول بين الله وبين ما أراد من عقوبتهم.
وفي قوله: إن تحرص لغتان: فمن العرب من يقول: حرص يحرص بفتح الراء في فعل وكسرها في يفعل. وحرص يحرص بكسر الراء في فعل وفتحها في يفعل. والقراءة على الفتح في الماضي والكسر في المستقبل، وهي لغة أهل الحجاز. القول في تأويل قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يقول تعالى ذكره: وحلف هؤلاء المشركون من قريش بالله جهد أيمانهم حلفهم، لا يبعث الله من يموت بعد مماته، وكذبوا وأبطلوا في أيمانهم التي حلفوا بها كذلك، بل سيبعثه الله بعد مماته، وعدا عليه أن يبعثهم وعد عباده، والله لا يخلف الميعاد. ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول: ولكن أكثر قريش لا يعلمون وعد الله عباده أنه باعثهم يوم القيامة بعد مماتهم أحياء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: