يقول تعالى ذكره: فكلوا أيها الناس مما رزقكم الله من بهائم الانعام التي أحلها لكم حلالا طيبا مذكاة غير محرم عليكم. واشكروا نعمة الله يقول: واشكروا الله على نعمه التي أنعم بها عليكم في تحليله ما أحل لكم من ذلك، وعلى غير ذلك من نعمه. إن كنتم إياه تعبدون يقول: إن كنتم تعبدون الله، فتطيعونه فيما يأمركم وينهاكم. وكان بعضهم يقول: إنما عني بقوله: فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا طعاما كان بعث به رسول الله (ص) إلى المشركين من قومه في سني الجدب والقحط رقة عليهم، فقال الله تعالى للمشركين: فكلوا مما رزقكم الله من هذا الذي بعث به إليكم حلالا طيبا. وذلك تأويل بعيد مما يدل عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن الله تعالى قد أتبع ذلك بقوله: إنما حرم عليكم الميتة والدم... الآية والتي بعدها، فبين بذلك أن قوله: فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا إعلام من الله عباده أن ما كان المشركون يحرمونه من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك مما قد بينا قبل فيما مضى لا معنى له، إذ كان ذلك من خطوات الشيطان، فإن كل ذلك حلال لم يحرم الله منه شيئا. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) *.
يقول تعالى ذكر مكذبا المشركين الذين كانوا يحرمون ما ذكرنا من البحائر وغير ذلك: ما حرم الله عليكم أيها الناس إلا الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح للأنصاب فسمي عليه غير الله لان ذلك من ذبائح من لا يحل أكل ذبيحته، فمن اضطر إلى ذلك أو إلى شئ منه لمجاعة حلت فأكله غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم يقول: ذو ستر عليه أن يؤاخذه بأكله ذلك في حال الضرورة، رحيم به أن يعاقبه عليه.
وقد بينا اختلاف المختلفين في قوله: غير باغ ولا عاد والصواب عندنا من القول في ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنما حرم عليكم الميتة والدم... الآية قال: وإن الاسلام دين يطهره الله من كل سوء، وجعل لك فيه يا ابن آدم سعة إذا اضطررت إلى شئ من ذلك. قوله فمن اضطر غير باغ ولا عاد غير باغ في أكله ولا عاد أن يتعدى حلالا إلى حرام، وهو يجد عنه مندوحة. القول في تأويل قوله تعالى: