فيها إن في ذلك لآية يقول تعالى ذكره: إن في إحيائنا الأرض بعد موتها بما أنزلنا من السماء من ماء لدليلا واضحا وحجة قاطعة عذر من فكر فيه لقوم يسمعون يقول: لقوم يسمعون هذا القول فيتدبرونه ويعقلونه ويطيعون الله بما دلهم عليه. القول في تأويل قوله تعالى:
(وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) يقول تعالى ذكره: وإن لكم أيها الناس لعظة في الانعام التي نسقيكم مما في بطونه.
واختلفت القراء في قراءة قوله: نسقيكم فقرأته عامة أهل مكة والعراق والكوفة والبصرة، سوى عاصم، ومن أهل المدينة أبو جعفر: نسقيكم بضم النون. بمعنى: أنه أسقاهم شرابا دائما. وكان الكسائي يقول: العرب تقول: أسقيناهم نهرا وأسقيناهم لبنا:
إذا جعلته شربا دائما، فإذا أرادوا أنهم أعطوه شربة قالوا: سقيناهم فنحن نسقيهم بغير ألف.
وقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة سوى أبي جعفر، ومن أهل العراق عاصم: نسقيكم بفتح النون من سقاه الله فهو يسقيه. والعرب قد تدخل الألف فيما كان من السقي غير دائم وتنزعها فيما كان دائما، وإن كان أشهر الكلامين عندها ما قال الكسائي، يدل على ما قلنا من ذلك، قول لبيد في صفة سحاب:
سقى قومي بني مجد وأسقى * نميرا والقبائل من هلال فجمع اللغتين كلتيهما في معنى واحد. فإذا كان ذلك كذلك، فبأية القراءتين قرأ القارئ فمصيب، غير أن أعجب القراءتين إلي قراءة ضم النون لما ذكرت من أن أكثر الكلامين عند العرب فيما كان دائما من السقي أسقى بالألف فهو يسقي، وما أسقى الله عباده