يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها زهرها رياط، وورقها برود، وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووحلها مسك، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل، وهي مجلس لأهل الجنة. فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم، يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح من حسنها، وبرها كخز المرعزي من لينه، عليها رحال ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب، وثيابها من سندس وإستبرق، فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه. قال:
فيركبونها. قال: فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش نجبا من غير مهنة، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه، لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها، ولا برك راحلة برك صاحبتها، حتى إن الشجرة لتتنحى عن طرقهم لئلا تفرق بين الرجل وأخيه.
قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام، وحق لك الجلال والاكرام قال: فيقول تبارك وتعالى عند ذلك: أنا السلام، ومنى السلام، وعليكم حقت رحمتي ومحبتي، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب أطاعوا أمري قال: فيقولون: ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا بالسجود قدامك قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نصب ولا عبادة، ولكنها دار ملك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة، فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنيته فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول: رب تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها، رب فآتني كل شئ كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا!
فيقول الله: لقد قصرت بك اليوم أمنيتك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني، وسأتحفك بمنزلتي، لأنه ليس في عطائي نكد ولا تصريد. قال: ثم يقول: اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ولم يخطر لهم على بال قال: فيعرضون عليهم حتى يقضوهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قبة من ذهب، مفرغة، في كل قبة منها فرش من