معقبات من ذكر رسول الله (ص)، ولم يجر له في الآية التي قبلها ولا في التي قبل الأخرى ذكر، إلا أن يكون أراد أن يردها على قوله: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد له معقبات فإن كان أراد ذلك، فذلك بعيد لما بينهما من الآيات بغير ذكر الخبر عن رسول الله (ص). وإذا كان كذلك، فكونها عائدة على من التي في قوله: ومن هو مستخف بالليل أقرب، لأنه قبلها والخبر بعدها عنه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: سواء منكم أيها الناس من أسر القول ومن جهر به عند ربكم، ومن هو مستخف بفسقه وريبته في ظلمة الليل، وسارب: يذهب ويجئ في ضوء النهار ممتنعا بجنده وحرسه الذين يتعقبونه من أهل طاعة الله أن يحولوا بينه وبين ما يأتي من ذلك، وأن يقيموا حد الله عليه، وذلك قوله: يحفظونه من أمر الله. وقوله: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم يقول تعالى ذكره:
إن الله لا يغير ما بقوم من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من ذلك بظلم بعضهم بعضا واعتداء بعضهم على بعض، فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره.
وقوله: وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له يقول: وإذا أراد الله بهؤلاء الذين يستخفون بالليل ويسربون بالنهار، لهم جند ومنعة من بين أيديهم ومن خلفهم، يحفظونهم من أمر الله هلاكا وخزيا في عاجل الدنيا فلا مرد له يقول: فلا يقدر على رد ذلك عنهم أحد غير الله. يقول تعالى ذكره: وما لهم من دونه من وال يقول: وما لهؤلاء القوم، والهاء والميم في لهم من ذكر القوم الذين في قوله: وإذا أراد الله بقوم سوءا. من دون الله من وال يعني: من وال يليهم ويلي أمرهم وعقوبتهم. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: السوء: الهلكة، ويقول: كل جذام وبرص وعمى وبلاء عظيم فهو سوء مضموم الأول، وإذا فتح أوله فهو مصدر سؤت، ومنه قولهم: رجل سوء.
واختلف أهل العربية في معنى قوله: ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار فقال بعض نحويي أهل البصرة: معنى قوله: ومن هو مستخف بالليل ومن هو ظاهر بالليل، من قولهم: أخفيت الشئ: إذا أظهرته، وكما قال امرؤ القيس:
فإن تكتموا الداء لا نخفه * وإن تبعثوا الحرب لا نقعد وقال: وقد قرئ أكاد أخفيها بمعنى: أظهرها. وقال في قوله: وسارب