خلقه وابصارهم وحواسهم مما أكنته نفوسهم، فلم يظهر على جوارحهم الظاهرة، فينهاهم ذلك عن خداع أوليائه بالنفاق والكذب ويزجرهم عن اضمار غير ما يبدونه، واظهار خلاف ما يعتقدونه القول في تأويل قوله تعالى:
* (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) * يقول تعالى ذكره: الذين يلمزون المطوعين في الصدقة على أهل المسكنة والحاجة، بما لم يوجبه الله عليهم في أموالهم، ويطعنون فيها عليهم بقولهم: إنما تصدقوا به رياء وسمعة، ولم يريدوا وجه الله، ويلمزون الذين لا يجدون ما يتصدقون به إلا جهدهم، وذلك طاقتهم، فينتقصونهم ويقولون: لقد كان الله عن صدقة هؤلاء غنيا سخرية منهم وبهم. فيسخرون منهم سخر الله منهم وقد بينا صفة سخرية الله بمن يسخر به من خلقه في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته ههنا. ولهم عذاب أليم يقول: ولهم من عند الله يوم القيامة عذاب موجع مؤلم.
وذكر أن المعني بقوله: المطوعين من المؤمنين عبد الرحمن بن عوف، وعاصم بن عدي الأنصاري، وأن المعني بقوله: والذين لا يجدون إلا جهدهم أبو عقيل الأراشي أخو بني أنيف. ذكر من قال ذلك:
13220 - حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات قال: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى النبي (ص)، وجاءه رجل من الأنصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين: والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياء وقالوا: إن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع.
13221 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم وذلك أن رسول الله (ص) خرج إلى الناس يوما فنادى فيهم:
أن اجمعوا صدقاتكم فجمع الناس صدقاتهم. ثم جاء رجل من أحوجهم بمن من تمر،