وأما قوله: أولئك حبطت أعمالهم فإن معناه: هؤلاء الذين قالوا إنما كنا نخوض ونلعب، وفعلوا في ذلك فعل الهالكين من الأمم قبلهم، حبطت أعمالهم يقول: ذهبت أعمالهم باطلا، فلا ثواب لها إلا النار، لأنها كانت فيما يسخط الله ويكرهه. وأولئك هم الخاسرون يقول: وأولئك هم المغبونون صفقتهم ببيعهم نعيم الآخرة، بخلاقهم من الدنيا اليسير الزهيد. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) *.
يقول تعالى ذكره: ألم يأت هؤلاء المنافقين الذين يسرون الكفر بالله، وينهون عن الايمان به وبرسوله نبأ الذين من قبلهم يقول: خبر الأمم الذين كانوا من قبلهم حين عصوا رسلنا، وخالفوا أمرنا ماذا حل بهم من عقوبتنا؟ ثم بين جل ثناؤه من أولئك الأمم التي قال لهؤلاء المنافقين ألم يأتهم نبؤهم، فقال: قوم نوح ولذلك خفض القوم لأنه ترجم بهم عن الذين، والذين في موضع خفض.
ومعنى الكلام: ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر قوم نوح وصنيعي بهم، إذ كذبوا رسولي نوحا وخالفوا أمري، ألم أغرقهم بالطوفان؟ وعاد يقول: وخبر عاد إذ عصوا رسولي هودا، ألم أهلكهم بريح صرصر عاتية؟ وخبر ثمود إذ عصوا رسولي صالحا، ألم أهلكهم بالرجفة، فأتركهم بأفنيتهم خمودا؟ وخبر قوم إبراهيم إذ عصوه، وردوا عليه ما جاءهم به من عند الله من الحق، ألم أسلبهم النعمة وأهلك ملكهم نمروذ؟ وخبر أصحاب مدين بن إبراهيم، ألم أهلكهم بعذاب يوم الظلة، إذ كذبوا رسولي شعيبا؟ وخبر المنقلبة بهم أرضهم، فصار أعلاها أسفلها، إذ عصوا رسولي لوطا وكذبوا ما جاءهم به من عندي من الحق. يقول تعالى ذكره: أفأمن هؤلاء المنافقون الذين يستهزءون بالله وبآياته ورسوله، أن يسلك بهم في الانتقام منهم وتعجيل الخزي والنكال لهم في الدنيا سبيل أسلافهم من الأمم، ويحل بهم بتكذيبهم رسولي محمدا (ص) ما حل بهم في تكذيبهم رسلنا، إذ أتتهم بالبينات.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: