ذكروا يجب التسليم له، ولا حجة تأتي بصحة ذلك، وقد رأى ثبوت الحكم بذلك عدد من الصحابة والتابعين سنذكرهم بعد. وجائز أن يكون قوله: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما لخاص من الناس، ويكون المراد به من استنفره رسول الله (ص)، فلم ينفر على ما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس. وإذا كان ذلك كذلك، كان قوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة نهيا من الله المؤمنين عن إخلاء بلاد الاسلام بغير مؤمن مقيم فيها، وإعلاما من الله لهم أن الواجب النفر على بعضهم دون بعض، وذلك على من استنفر منهم دون من لم يستنفر.
وإذا كان ذلك كذلك لم يكن في إحدى الآيتين نسخ للأخرى، وكان حكم كل واحدة منهما ماضيا فيما عنيت به. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) *.
وهذا إعلام من الله أصحاب رسوله (ص) أنه المتوكل بنصر رسوله على أعداء دينه وإظهاره عليهم دونهم، أعانوه أو لم يعينوه، وتذكير منه لهم فعل ذلك به، وهو من العدد في قلة والعدو في كثرة، فكيف به وهو من العدد في كثرة والعدو في قلة؟ يقول لهم جل ثناؤه: إلا تنفروا أيها المؤمنون مع رسولي إذا استنفركم فتنصروه، فالله ناصره ومعينه على عدوه ومغنيه عنكم وعن معونتكم ونصرتكم كما نصره إذ أخرجه الذين كفروا بالله من قريش من وطنه وداره ثاني اثنين يقول: أخرجوه وهو أحد الاثنين: أي واحد من الاثنين، وكذلك تقول العرب: هو ثاني اثنين يعني أحد الاثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعة، يعني: أحد ثلاثة، وأحد الأربعة، وذلك خلاف قولهم: هو أخو ستة وغلام سبعة، لان الأخ والغلام غير الستة والسبعة، وثالث الثلاثة: أحد الثلاثة. وإنما عنى جل ثناؤه بقوله: ثاني اثنين رسول الله (ص) وأبا بكر، رضي الله عنه، لأنهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش، إذ هموا بقتل رسول الله (ص) واختفيا في الغار. وقوله: إذ هما في الغار يقول إذ رسول الله (ص) وأبو بكر رحمة الله عليه في الغار والغار: النقب العظيم يكون في الجبل. إذ يقول لصاحبه يقول: إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر:
لا تحزن وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما، فجزع من ذلك، فقال له