تصح حجة بوجوب حكم الله في المشركين بالقتل بكل حال ثم نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء ولا على وجه المن عليهم. فإذا كان ذلك كذلك فكان الفداء والمن والقتل لم يزل من حكم رسول الله (ص) فيهم من أول حرب حاربهم، وذلك من يوم بدر كان معلوما أن معنى الآية: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم للقتل أو المن أو الفداء واحصروهم، وإذا كان ذلك معناه صح ما قلنا في ذلك دون غيره. القول في تأويل قوله تعالى:
* (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين) *.
يقول تعالى ذكره: أنى يكون أيها المؤمنون بالله ورسوله، وبأي معنى يكون للمشركين بربهم عهد وذمة عند الله وعند رسوله، يوفي لهم به، ويتركوا من أجله آمنين يتصرفون في البلاد وإنما معناه: لا عهد لهم، وأن الواجب على المؤمنين قتلهم حيث وجدوهم إلا الذين أعطوا العهد عند المسجد الحرام منهم، فإن الله جل ثناؤه أمر المؤمنين بالوفاء لهم بعهدهم والاستقامة لهم عليه، ما داموا عليه للمؤمنين مستقيمين.
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فقال بعضهم: هم قوم من جذيمة بن الديل. ذكر من قال ذلك:
12807 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم هم بنو جذيمة بن الديل.
12808 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر، قوله: إلا الذين عاهدتم من المشركين قال: هم جذيمة بكر من كنانة.
12809 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: كيف يكون للمشركين الذين كانوا وأنتم على العهد العام بأن لا تمنعوهم ولا يمنعوكم من الحرم ولا في الشهر الحرام، عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام