فيبلغونهم ويؤدونه إليهم عيون لهم عليكم.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين عندي في ذلك بالصواب تأويل من قال: معناه:
وفيكم سماعون لحديثكم لهم يبلغونه عنكم عيون لهم، لان الأغلب من كلام العرب في قولهم: سماع، وصف من وصف به أنه سماع للكلام، كما قال الله جل ثناؤه في غير موضع من كتابه: سماعون للكذب واصفا بذلك قوما بسماع الكذب من الحديث. وأما إذا وصفوا الرجل بسماع كلام الرجل وأمره ونهيه وقبوله منه، وانتهائه إليه فإنما تصفه بأنه له سامع ومطيع، ولا تكاد تقول: هو له سماع مطيع.
وأما قوله: والله عليم بالظالمين فإن معناه: والله ذو علم بمن يوجه أفعاله إلى غير وجوهها ويضعها في غير مواضعها، ومن يستأذن رسول الله (ص) لعذر ومن يستأذنه شكا في الاسلام ونفاقا، ومن يسمع حديث المؤمنين ليخبر به المنافقين ومن يسمعه ليسر بما سر المؤمنين ويساء بما ساءهم، لا يخفى عليه شئ من سرائر خلقه وعلانيتهم. وقد بينا معنى الظلم في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى:
* (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) *.
يقول تعالى ذكره: لقد التمس هؤلاء المنافقون الفتنة لأصحابك يا محمد، التمسوا صدهم عن دينهم، وحرصوا على ردهم إلى الكفر بالتخذيل عنه، كفعل عبد الله بن أبي بك وبأصحابك يوم أحد حين انصرف عنك بمن تبعه من قومه، وذلك كان ابتغاءهم ما كانوا ابتغوا لأصحاب رسول الله (ص) من الفتنة من قبل. ويعني بقوله: من قبل: من قبل هذا.
وقلبوا لك الأمور يقول: وأجالوا فيك وفي إبطال الدين الذي بعثك به الله الرأي بالتخذيل عنك، وإنكار ما تأتيهم به، ورده عليك. حتى جاء الحق يقول: حتى جاء نصر الله، وظهر أمر الله يقول: وظهر دين الله الذي أمر به وافترضه على خلقه وهو الاسلام. وهم كارهون يقول: والمنافقون لظهور أمر الله ونصره إياك كارهون، وكذلك الآن يظهرك الله ويظهر دينه على الذين كفروا من الروم وغيرهم من أهل الكفر به وهم كارهون.