فانبذ إليهم على عدل يعني حتى يعتدل علمك وعلمهم بما عليه بعضكم لبعض من المحاربة. واستشهدوا لقولهم ذلك بقول الراجز:
واضرب وجوه الغدر الأعداء * حتى يجيبوك إلى السواء يعني إلى العدل. وكان آخرون يقولون: معناه الوسط، من قول حسان:
يا ويح أنصار الرسول ورهطه * بعد المغيب في سواء الملحد بمعنى في وسط اللحد. وكذلك هذه المعاني متقاربة، لان العدل وسط لا يعلو فوق الحق ولا يقصر عنه، وكذلك الوسط عدل، واستواء الفريقين فيما عليه بعضهم لبعض بعض المهادنة عدل من الفعل ووسط. وأما الذي قاله الوليد بن مسلم من أن معناه المهل، فما لا أعلم له وجها في كلام العرب. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون) *.
اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم بكسر الألف من إنهم وبالتاء في تحسبن، بمعنى: ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا سبقونا ففاتونا بأنفسهم. ثم ابتدأ الخبر عن قدرة الله عليهم، فقيل: إن هؤلاء الكفرة لا يعجزون ربهم إذا طلبهم وأراد تعذيبهم وإهلاكهم بأنفسهم فيفوتوه بها. وقرأ ذلك بعض قراء المدينة والكوفة: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء في يحسبن، وكسر الألف من إنهم، وهي قراءة غير حميدة لمعنيين: أحدهما خروجها من قراءة القراء وشذوذها عنها، والآخر بعدها من فصيح كلام العرب وذلك أن يحسب يطلب في كلام العرب منصوبا وخبره، كقوله: عبد الله يحسب أخاك قائما ويقوم وقام، فقارئ هذه القراءة أصحب يحسب خبرا لغير مخبر عنه مذكور، وإنما كان مراده:
ظني ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا أنهم لا يعجزوننا، فلم يفكر في صواب مخرج الكلام وسقمه، واستعمل في قراءته ذلك كذلك ما ظهر له من مفهوم الكلام. وأحسب أن الذي دعاه إلى ذلك الاعتبار بقراءة عبد الله، وذلك أنه فيما ذكر في مصحف عبد الله: ولا