يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله من أصحاب رسول الله (ص): جاهدوا أيها المؤمنون الكفار بأموالكم، فأنفقوها في مجاهدتهم على دين الله الذي شرعه لكم، حتى ينقادوا لكم فيدخلوا فيه طوعا أو كرها، أو يعطوكم الجزية عن يد صغارا إن كانوا أهل كتاب، أو تقتلوهم وأنفسكم يقول: وبأنفسكم فقاتلوهم بأيديكم يخزهم الله وينصركم عليهم. ذلكم خير لكم يقول: هذا الذي آمركم به من النفر في سبيل الله تعالى خفافا وثقالا وجهاد أعدائه بأموالكم وأنفسكم خير لكم من التثاقل إلى الأرض إذا استنفرتم والخلود إليها والرضا بالقليل من متاع الحياة الدنيا عوضا من الآخرة، إن كنتم من أهل العلم بحقيقة ما بين لكم من فضل الجهاد في سبيل الله على القعود عنه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) *.
يقول جل ثناؤه للنبي (ص)، وكانت جماعة من أصحابه قد استأذنوه في التخلف عنه حين خرج إلى تبوك فأذن لهم: لو كان ما تدعو إليه المتخلفين عنك والمستأذنيك في ترك الخروج معك إلى مغزاك الذي استنفرتهم إليه، عرضا قريبا يقول: غنيمة حاضرة، وسفرا قاصدا، يقول: وموضعا قريبا سهلا، لاتبعوك ونفروا معك إليهما ولكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد، وكلفتهم سفرا شاقا عليهم، لأنك استنهضتهم في وقت الحر وزمان القيظ وحين الحاجة إلى الكن. وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يقول تعالى ذكره: وسيحلف لك يا محمد هؤلاء المستأذنوك في ترك الخروج معك اعتذارا منهم إليك بالباطل، لتقبل منهم عذرهم، وتأذن لهم في التخلف عنك بالله كاذبين: لو استطعنا لخرجنا معكم يقول: لو أطقنا الخروج معكم بوجود السعة والمراكب والظهور وما لا بد للمسافر والغازي منه، وصحة البدن والقوى، لخرجنا معكم إلى عدوكم. يهلكون أنفسهم يقول: يوجبون لأنفسهم بحلفهم بالله كاذبين الهلاك والعطب، لأنهم يورثونها سخط الله ويكسبونها أليم عقابه. والله يعلم إنهم لكاذبون في حلفهم بالله لو استطعنا لخرجنا معكم لأنهم كانوا للخروج مطيقين بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من الأموال مما يحتاج إليه الغازي في غزوه والمسافر في سفره وصحة الأبدان وقوى الأجسام.