أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية، فنسخ ذلك بالآية التي في سورة النور، فقال: ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم... إلى قوله:
* (جميعا أو أشتاتا) * فكان الرجل الغني يدعو الرجل من أهله إلى الطعام، فيقول: إني لأتجنح - والتجنح: التحرج ويقول: المساكين أحق مني به. فأحل من ذلك أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وأحل طعام أهل الكتاب.
قال أبو جعفر: وأولى هذين القولين بالصواب في ذلك قول السدي: وذلك أن الله تعالى ذكره حرم أكل أموالنا بيننا بالباطل، ولا خلاف بين المسلمين أن أكل ذلك حرام علينا، فإن الله لم يحل قط أكل الأموال بالباطل، وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى لقول من قال: كان ذلك نهيا عن أكل الرجل طعام أخيه قرى على وجه ما أذن له، ثم نسخ ذلك لنقل علماء الأمة جميعا وجها لها أن قرى الضيف، وإطعام الطعام كان من حميد أفعال أهل الشرك والإسلام، التي حمد الله أهلها عليه وندبهم إليها، وإن الله لم يحرم ذلك في عصر من العصور، بل ندب الله عباده، وحثهم عليه، وإذ كان ذلك كذلك فهو من معنى الأكل بالباطل خارج، ومن أن يكون ناسخا أو منسوخا بمعزل، لان النسخ إنما يكون لمنسوخ، ولم يثبت النهي عنه، فيجوز أن يكون منسوخا بالإباحة. وإذ كان ذلك كذلك، صح القول الذي قلناه، من أن الباطل الذي نهى الله عن أكل الأموال به، هو ما وصفنا مما حرمه على عباده في تنزيله، أو على لسان رسوله (ص)، وشذ ما خالفه.
واختلفت القراء في قراءة قوله: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * فقرأها بعضهم: * (إلا أن تكون تجارة) * رفعا بمعنى: إلا أن توجد تجارة، أو تقع تجارة عن تراض منكم، فيحل لكم أكلها حينئذ بذلك المعنى. ومذهب من قرأ ذلك على هذا الوجه أن تكون تامة ههنا لا حاجة بها إلى خبر على ما وصفت، وبهذه القراءة قرأ أكثر أهل الحجاز وأهل البصرة. وقرأ ذلك آخرون، وهم عامة قراء الكوفيين: * (إلا أن تكون تجارة) * نصبا، بمعنى: إلا أن تكون الأموال التي تأكلونها بينكم تجارة عن تراض منكم، فيحل لكم هنالك أكلها، فتكون الأموال مضمرة في قوله: * (إلا أن تكون) * والتجارة منصوبة على الخبر.
وكلتا القراءتين عندنا صواب جائز القراءة بهما، لاستفاضتهما في قراءة الأمصار مع تقارب معانيهما. غير أن الامر وإن كان كذلك، فإن قراءة ذلك بالنصب أعجب إلي من قراءته