إنك لذيت وذيت، ولعله أن يرجع، ولم يحل من حاجته بشئ، وقد أسخط الله عليه. ثم قرأ: * (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) *... الآية.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى تزكية القوم الذين وصفهم الله بأنهم يزكون أنفسهم وصفهم إياها بأنها لا ذنوب لها ولا خطايا، وأنهم لله أبناء وأحباء، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه، لأنه ذلك هو أظهر معانيه لاخبار الله عنهم أنها إنما كانوا يزكون أنفسهم دون غيرها.
وأما الذين قالوا: معنى ذلك: تقديمهم أطفالهم للصلاة، فتأويل لا تدرك صحته إلا بخبر حجة يوجب العلم. وأما قوله جل ثناؤه: * (بل الله يزكي من يشاء) * فإنه تكذيب من الله المزكين أنفسهم من اليهود والنصارى، المبرئيها من الذنوب، يقول الله لهم: ما الامر كما زعمتم أنه لا ذنوب لكم ولا خطايا، وإنكم برآء مما يكرهه الله، ولكنكم أهل فرية وكذب على الله، وليس المزكي من زكى نفسه، ولكنه الذي يزكيه الله، والله يزكي من يشاء من خلقه، فيطهره ويبرئه من الذنوب بتوفيقه لاجتناب ما يكرهه من معاصيه إلى ما يرضاه من طاعته.
وإنما قلنا إن ذلك كذلك لقوله جل ثناؤه: * (انظر كيف يفترون على الله الكذب) * وأخبر أنهم يفترون على الله الكذب بدعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الله قد طهرهم من الذنوب.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا يظلمون فتيلا) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: ولا يظلم الله هؤلاء الذين أخبر عنهم أنهم يزكون أنفسهم ولا غيرهم من خلقه، فيبخسهم في تركه تزكيتهم، وتزكية من ترك تزكيته، وفي تزكية من زكى من خلقه شيئا من حقوقهم ولا يضع شيئا في غير موضعه، ولكنه يزكي من يشاء من خلقه، فيوفقه، ويخذل من يشاء من أهل معاصيه، كل ذلك إليه وبيده، وهو في كل ذلك غير ظالم أحدا ممن زكاه أو لم يزكه فتيلا.
واختلف أهل التأويل في معنى الفتيل، فقال بعضهم: هو ما خرج من بين الإصبعين والكفين من الوسخ إذا فتلت إحداهما بالأخرى. ذكر من قال ذلك: