يعني بقوله يحجون: يكثرون التردد إليه لسؤدده ورياسته. وإنما قيل للحاج حاج لأنه يأتي البيت قبل التعريف، ثم يعود إليه لطواف يوم النحر بعد التعريف، ثم ينصرف عنه إلى منى، ثم يعود إليه لطواف الصدر، فلتكراره العود إليه مرة بعد أخرى قيل له حاج. وأما المعتمر فإنما قيل له معتمر لأنه إذا طاف به انصرف عنه بعد زيارته إياه. وإنما يعني تعالى ذكره بقوله: أو اعتمر أو اعتمر البيت، ويعني بالاعتمار الزيارة، فكل قاصد لشئ فهو له معتمر ومنه قول العجاج:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر * مغزى بعيدا من بعيد وضبر يعني بقوله حين اعتمر: حين قصده وأمه.
القول في تأويل قوله تعالى: فلا جناح عليه أن يطوف بهما.
يعني تعالى ذكره بقوله: فلا جناح عليه أن يطوف بهما يقول: فلا خرج عليه ولا مأثم في طوافه بهما.
فإن قال قائل: وما وجه هذا الكلام، وقد قلت لنا إن قوله: إن الصفا والمروة من شعائر الله وإن كان ظاهره ظاهر الخبر فإنه في معنى الامر بالطواف بهما؟ فكيف يكون أمرا بالطواف، ثم يقال: لا جناح على من حج البيت أو اعتمر في الطواف بهما؟ وإنما يوضع الجناح عمن أتى ما عليه بإتيانه الجناح والحرج، والامر بالطواف بهما، والترخيص في الطواف بهما غير جائز اجتماعهما في حال واحدة؟ قيل: إن ذلك بخلاف ما إليه ذهب، وإنما معنى ذلك عند أقوام أن النبي (ص) لما اعتمر عمرة القضية تخوف أقوام كانوا يطوفون بهما في الجاهلية قبل الاسلام لصنمين كانا عليهما تعظيما منهم لهما فقالوا: وكيف نطوف بهما، وقد علمنا أن تعظيم الأصنام وجميع ما كان يعبد من ذلك من دون الله شرك؟ ففي طوافنا بهذين الحجرين أحد ذلك، لان الطواف بهما في الجاهلية إنما كان للصنمين اللذين كانا عليهما، وقد جاء الله بالاسلام اليوم ولا سبيل إلى تعظيم شئ مع الله بمعنى العبادة له.
فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك من أمرهم: إن الصفا والمروة من شعائر الله يعني أن الطواف بهما، فترك ذكر الطواف بهما اكتفاء بذكرهما عنه. وإذ كان معلوما عند المخاطبين