الأمرين مباح، والقنوت ذكر لله تعالى، ففعله حسن، وتركه مباح، وليس فرضا، ولكنه فضل.
وأما قول والد أبي مالك الأشجعي إنه بدعة، فلم يعرفه، ومن عرفه أثبت فيه ممن لم يعرفه، والحجة فيمن علم لا فيمن لم يعلم!
... وقال بعض الناس: الدليل على نسخ القنوت ما رويتموه من طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة الصبح من الركعة الأخيرة قال: اللهم العن فلانا وفلانا، دعا على ناس من المنافقين فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال علي (ابن حزم): هذا حجة في إثبات القنوت: لأنه ليس فيه نهي عنه، فهذا حجة في بطلان قول من قال: إن ابن عمر جهل القنوت، ولعل ابن عمر إنما أنكر القنوت في الفجر قبل الركوع، فهو موضع إنكار، وتتفق الروايات عنه فهو أولى، لئلا يجعل كلامه خلافا للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما في هذا الخبر إخبار الله تعالى بأن الأمر له لا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن أولئك الملعونين لعله تعالى يتوب عليهم، أو في سابق علمه أنهم سيؤمنون فقط.
... وأما أبو حنيفة ومن قلده فقالوا: لا يقنت في شئ من الصلوات كلها إلا في الوتر، فإنه يقنت فيه قبل الركوع السنة كلها، فمن ترك القنوت فيه فليسجد سجدتي السهو. أما مالك والشافعي فإنهما قالا: لا يقنت في شئ من الصلوات المفروضة كلها إلا في الصبح خاصة.
... قال علي (ابن حزم): أما قول أبي حنيفة: فما وجدناه كما هو عن أحد من الصحابة نعني النهي عن القنوت في شئ من الصلوات، حاشا الوتر فإنه يقنت فيه، وعلى من تركه سجود السهو. وكذلك قول مالك في تخصيصه الصبح خاصة بالقنوت، ما وجدناه عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من التابعين. وكذلك تفريق الشافعي بين القنوت في الصبح وبين القنوت في سائر الصلوات، وهذا مما خالفوا فيه كل شئ روي في هذا الباب عن الصحابة رضي الله عنهم، مع تشنيعهم على من خالف بعض الرواية عن صاحب لسنة صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!