واعترضوا بشدة على عدم دعوته إلى السقيفة وبيعة أبي بكر، وقالوا للإمام نحن معك وفي عنقنا لك بيعة أخذها النبي من الجميع يوم غدير خم، فقال لهم الإمام: إن كنتم صادقين فاغدوا إلي محلقين.. فجاءه منهم في الغد سبعة فقط أو ثلاثة، فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وآله أوصاه أن لا يتحرك إلا إذا اجتمع له أربعون رجلا!
فالخوارج لم ينشؤوا عادة حلق الرؤوس من عندهم، بل استفادوا من عرف عربي موجود استفاد منه قبلهم علي عليه السلام، فقد يكون الخليفة مثلا أراد أن يعرف هل أن صبيغا عضو في حركة حلقوا رؤوسهم وتعاهدوا على معارضة الخليفة، فيكون ذلك مؤشرا احتماليا آخر على أن قضية صبيغ سياسية.
وهناك مؤشر ثالث وهو أن الشاكي صاحب التقرير على صبيغ هو عمرو بن العاص الذي كان فكره وعمله الأمور السياسية والتخطيط ضد هذا وذاك، ولم يعهد عنه اهتمام بالأمور الفكرية والعقائدية كالسؤال عن القرآن! بل قد يكون هو الذي أرسل المصريين المعترضين إلى الخليفة مع ولده عبد الله ليلاقوا جزاءهم!
هذا، ولكنها تبقى احتمالات، ويبقى الحكم على قضية صبيغ حسب ظاهرها كما فهمها الفقهاء وأنها قضية بحث وجدل في القرآن، أو قضية شخصية، أقوى من الحكم عليها بأنها سياسية، خاصة عندما نرى حياة صبيغ العادية غير السياسية.. فقد عاش بعد الخليفة ولم يظهر منه شئ مخالف لخط الخليفة!
وتحير الفقهاء في توبة صبيغ عن أي شئ كانت توبة صبيغ التميمي؟ الظاهر أنها توبة عن السؤال فقط وفقط!!
وقد تاب وهو تحت عراجين النخل وقال للخليفة: اعفني، سامحني، فقد كان في رأسي أسئلة أو تساؤلات، وذهب الذي كان في رأسي، وإني تائب إلى الله وإليك.. ولكن الخليفة لم يعفه ولم يقبل توبته إلا بعد أن دمر شخصيته وجعله ميتا في الأحياء! فلماذا اشترط الخليفة مضي سنة من إعلان توبة صبيغ حتى يثبت صدقها، مع أن التوبة إما أن لا تقبل، وإما تقبل رأسا؟! هذا ما حير فقهاء المذاهب الأربعة!