رواية أبي داود توضح المقصود ورواية أبي داود التالية وأمثالها، تعطي أضواء كافية على المسألة، فقد روى في سننه ج 2 ص 404 (... عن عمرو بن أبي قرة، قال: كان حذيفة بالمدائن، فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في الغضب، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة، فيقول سلمان: حذيفة أعلم بما يقول، فيرجعون إلى حذيفة فيقولون له قد ذكرنا قولك لسلمان فما صدقك ولا كذبك، فأتى حذيفة سلمان وهو في مبقلة فقال: يا سلمان ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سلمان:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه، ويرضي فيقول في الرضا لناس من أصحابه، أما تنتهي حتى تورث رجالا حب رجال ورجالا بغض رجال، وحتى توقع اختلافا وفرقة؟ ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة. والله لتنتهين أو لأكتبن إلى عمر) انتهى.
فهذه الحادثة وقعت في المدائن في عهد الخليفة عمر بين اثنين من كبار الصحابة، وهي تدل على أن حذيفة بن اليمان هو الذي كان يروي الأحاديث المتضمنة غضب النبي صلى الله عليه وآله على بعض أصحابه ولعنه إياهم، وحذيفة أجمع المسلمون على أنه كان (صاحب سر رسول الله) وأن النبي أخبره بأسماء المنافقين. وهذا يدل على وجود أحاديث صدر فيها كلام شديد على جماعة من الصحابة على لسان النبي صلى الله عليه وآله، وأنها كانت أحاديث مهمة وخطيرة، لو عرفها المسلمون لأثرت على حبهم وبغضهم وتوليهم وتبريهم من أولئك الصحابة. وأن سياسة الخليفة عمر كانت تحريم رواية تلك الأحاديث تحريما مشددا، إلى حد أن الوالي الذي يرويها قد يتعرض لغضب الخليفة وعزله، حتى لو كان من وزن حذيفة أمين رسول الله صلى الله عليه وآله!!