غير أن السلطة لو كانت تريد تعليم الأمة والرواة التثبت في رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله، لكان لذلك طرقه الطبيعية.. ومنها أن تعلن السلطة لكل من عنده شئ مدون من السنة أن يحضره إلى دار الخلافة ليخضع لعملية التثبت التي تريد السلطة أن تجريها.. ثم تكلف شخصا أو هيئة للتثبت وطلب الشهود على كل حديث من هذه المدونات التي جمعتها. ثم تعطي المدونات الصحيحة أو المصححة إلى المسلمين، وتعلن قانونا يقضي بأن لا يدون أحد من سنة النبي شيئا إلا بشاهدين مثلا، أو بإمضاء رسمي من السلطة.
هذه هي الطريقة المنطقية الطبيعية لإجراء التثبت وتعليمه للمسلمين.. أما أن تقوم السلطة بإحراق المدونات التي جمعتها ثم تنهى عن رواية الحديث! فهو تصرف غير طبيعي يدل على وجود أمر كبير في المسألة، غير معلن!
وهذا الأمر هو: أن السلطة لا تريد سنة النبي أصلا.. ولذا جمعتها لتحرقها! أو أنها تريد بعضها دون بعض ولا تستطيع التصريح بذلك خوفا من الرأي العام! أو تريد أن تكسر هوس المسلمين بجمع سنة النبي وتدوينها.. الخ.
وأخيرا، فإن نهي الخليفة أبي بكر عن الحديث كليا كما ورد في رواية الذهبي وأمره بالاكتفاء بما حلله وحرمه القرآن فقط.. لا ينسجم مع عذر التثبت، بل يكشف عن اتجاه السلطة، وإن حاول الذهبي أن يؤوله!
نعم ورد في بعض روايات قرارات منع الخليفة عمر عن الحديث تعليله ذلك بكذب الراوي كقوله لأبي هريرة (ما أكثر ما كذبت على رسول الله يا أقرع) فيدخل ذلك تحت العذر المنسوب إلى أبي بكر وهو التثبت في نسبة الحديث.
ولكن أكثر الروايات التي نقلت قرارات المنع جاءت بنص النهي أو الزجر بدون تعليل.. أو جاء فيها عذر آخر!
مقولة أن الحديث يشغل الناس عن القرآن ورد هذا العذر في قرار المنع الذي أبلغه الخليفة عمر باحترام وتأكيد، لمجموعة الصحابة المسافرين إلى الكوفة، في الرواية المعروفة عن قرظة بن كعب. والموجود في