أما الحديث التي نسبته الرواية إلى النبي صلى الله عليه وآله عن لسان سلمان رضي الله عنه فهو حديث موضوع، كما بينا في بحث سورتي الخلع والحفد والمعوذتين ونضيف هنا: أن الملعونين على لسان الأنبياء من الأمم السابقة هم الذين حكم الله تعالى بطردهم الأبدي من رحمته بسبب عصيانهم وطغيانهم، لأن لعنة الأنبياء لا تصدر إلا بإلهام إلهي. بل يفهم من بعض الآيات والروايات أن لعنة الأنبياء تجري في ذرية الملعون إلى يوم القيامة.. ومعنى ذلك أن الله تعالى يخبر نبيه بأن هذا الشخص بلغ من الشر حدا نضب معه من الخير، ونضب صلبه عن أن يولد منه ولد فيه خير، وأن أولاده بمجرد أن يكبروا سوف يختارون طريق الشر!
وهذا المعنى الخطير للعن كان معروفا عند الصحابة وعند عامة العرب، بل كانوا يتشاءمون من الملعون على لسان غير الأنبياء، حتى أن الخليفة عمر تشاءم من ناقة لعنها بدوي! فكيف بمن لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فقد روى في كنز العمال ج 3 ص 877 (... عن أبي عثمان قال: بينما عمر يسير ورجل على بعير له فلعنه، فقال من هذا اللاعن؟ قالوا: فلان قال: تخلف عنا أنت وبعيرك، لا تصحبنا راحلة ملعونة - ش) انتهى.
هذه الحقيقة الكبيرة والخطيرة تحاول رواية أبي داود وأمثالها أن تميعها بأسلوب ذكي هدفه تبرئة الذين غضب عليهم رسول الله ولعنهم، بل تحاول أن تقلب المسألة لصالحهم فتعطيهم امتيازات بحيث يتمنى كل مسلم لو أن النبي لعنه! ثم يطلب من الله تعالى أن يحول لعنته له إلى.. بركة ورحمة عليه وصلوات!
الأحاديث المغيبة: أمر النبي بكتابة الحديث روى البخاري في صحيحه ج 1 ص 36 (... فجاء رجل من أهل اليمن فقال:
أكتب لي يا رسول الله، فقال: أكتبوا لأبي فلان). وفي ج 3 ص 95 (... فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن فقال أكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكتبوا لأبي شاه. قلت للأوزاعي ما قوله أكتبوا لي يا رسول الله؟ قال هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى. ورواه في ج 8 ص 38