بعبارة أخرى: إن المنافقين لم يريدوا الإخبار عن واقعية رسالة رسول الله وإنما أرادوا الإخبار عن اعتقادهم برسالته، وهذا من الكذب المحض.
ومن الملاحظ أن المنافقين استخدموا كل الطرق لتأكيد شهادتهم، غير أن الله كذبهم بشدة وبنفس اللهجة التي أكدوا فيها شهادتهم. وهذه إشارة إلى أن المنافقين يجب أن يواجهوا بنفس الشدة التي يؤكدون فيها على صدقهم.
ونشير هنا إلى أن " المنافق " في الأصل من مادة (نفق) على وزن " نفخ " بمعنى النفوذ والتسرب و " نفق " " على وزن شفق " أي القنوات والتجاويف التي تحدث في الأرض، وتستغل للتخفي والتهرب والاستتار والفرار.
وأشار بعض المفسرين إلى أن بعض الحيوانات كالذئاب والحرباء والفأر الصحراوي، تتخذ لها غارين: الأول واضح تدخل وتخرج منه بصورة مستمرة، والآخر غير واضح ومخفي تهرع إليه في ساعات الخطر ويسمى " النفقاء " (1).
والمنافق هو الذي اختار طريقا مشبوها ومخفيا لينفذ من خلاله إلى المجتمع، ويهرب عند الخطر من طريق آخر.
وتذكر الآية اللاحقة العلامة الثانية: اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون.
ذلك لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ويضعون الموانع والعراقيل في طريق هداية الناس، وليس هناك أقبح من أن يمنع الإنسان غيره من الاهتداء.
" جنة " من مادة (جن) (على وزن فن) وهي في الأصل بمعنى إخفاء شئ من الحس، ويطلق هذا الاسم على (الجن) لأنه مخلوق غير واضح، ويقال للدرع الذي يستر الإنسان من ضربات العدو في لغة العرب (جنة) ويقال أيضا للبساتين المكتظة بالشجر بسبب استتار أراضيها فتسمى (جنة).