البقرة وهي تصف اليهود قائلة: أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون.
ويقول تعالى في آخر الآية في عبارة وجيزة: والله لا يهدي القوم الظالمين.
صحيح أن الهداية شأن إلهي، ولكن ينبغي أن تهيأ لها الأرضية اللازمة، وهي الروح التواقة لطلب الحق والبحث عنه، وهي أمور يجب أن يهيئها الإنسان نفسه، ولا شك أن الظالمين يفتقدون مثل هذه الأرضية.
وأوضحنا سابقا أن اليهود اعتبروا أنفسهم أمة مختارة، أو نسيجا خاصا لا يشبه غيره، وذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه المنتقمون، وهذا ما أشارت إليه الآية (18) من سورة المائدة: وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه (رغم أنهم يقصدون الأبناء المجازيين).
ولكن القرآن شجب هذا التعالي مرة أخرى بقوله: قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (1).
فالأحباء يتمنون اللقاء دائما، ولا يتم اللقاء المعنوي بالله يوم القيامة إلا عندما تزول حجب عالم الدنيا وينقشع غبار الشهوات والهوى، وحينئذ سيرى الإنسان جمال المحبوب ويجلس على بساط قربه، ويكون مصداقا ل في مقعد صدق عند مليك مقتدر فيدخل إلى حرم الحبيب.
إن خوفكم وفراركم من الموت دليل قاطع على أنكم متعلقون بهذه الدنيا وغير صادقين في إدعائكم.
ويوضح القرآن الكريم هذا المعنى بتعبير آخر في سورة البقرة آية (96) عندما يقول تعالى: ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا