أما يوسف الذي كانت نفسه تأبى أن يرى إخوته في حال الخجل والندامة - خاصة في هذه اللحظات الحساسة وبعد انتصاره عليهم - أو لعله أراد أن يدفع عن أذهانهم ما قد يتبادر إليها من احتمال أن ينتقم منهم، فخاطبهم بقوله: قال لا تثريب عليكم اليوم (1) أي أن العتاب والعقاب مرفوع عنكم اليوم، اطمئنوا وكونوا مرتاحي الضمير ولا تجعلوا للآلام والمصائب السابقة منفذا إلى نفوسكم، ثم لكي يبين لهم أنه ليس وحده الذي أسقط حقه وعفا عنهم، بل إن الله سبحانه وتعالى أيضا عفا عنهم حينما أظهروا الندامة والخجل قال لهم: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين أي إن الله سبحانه وتعالى قد قبل توبتكم وعفا عنكم لأنه أرحم الراحمين.
وهذا دليل على علو قدر يوسف وغاية فضله حيث إنه لم يعف عن سيئات إخوته فحسب، بل رفض حتى أن يوبخ ويعاتب إخوته - فضلا عن أن يجازيهم ويعاقبهم - إضافة إلى هذا فإنه طمأنهم على أن الله سبحانه وتعالى رحيم غفور وأنه تعالى سوف يعفو عن سيئاتهم، واستدل لهم على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين.
وهنا تذكر الإخوة مصيبة أخرى قد ألمت بعائلتهم والشاهد الحي على ما اقترفوه في حق أخيهم ألا وهو أبوهم حيث فقد الشيخ الكبير بصره حزنا وفراقا على يوسف، أما يوسف فإنه قد وجد لهذه المشكلة حلا حيث خاطبهم بقوله:
إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ثم طلب منهم أن يجمعوا العائلة ويأتوا بهم جميعا وأتوني بأهلكم أجمعين.
* * *