تقول الآية الأولى: وقد مكروا مكرهم.
لقد عملوا كل ما بوسعهم من أجل طمس حقائق الإسلام، بدء من الترغيب والتهديد وحتى الأذى ومحاولات القتل والاغتيال وبث الشائعات، ومع كل ذلك فان الله مطلع على جميع مؤامراتهم وقد أحصى أعمالهم: وعند الله مكرهم وعلى أي حال فلا تقلق فإنهم لا يستطيعون بمكرهم هذا أن يصيبوك بسوء حتى وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.
" المكر " - وكما أشرنا إليه سابقا - بمعنى الاحتيال، فمرة يلازمه الفساد ومرة أخرى لا يلازمه، وفي تفسير جملة وعند الله مكرهم رأيان:
يقول البعض ومن جملتهم العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: المراد بكون مكرهم عند الله إحاطته تعالى به بعلمه وقدرته.
ويقول البعض الآخر، كالعلامة الطبرسي في مجمع البيان: إن المراد هو ثبوت جزاء مكرهم عند الله تعالى (وعلى هذا التفسير يكون تقدير الآية: عند الله جزاء مكرهم) فكلمة الجزاء محذوفة.
ومما لا شك فيه أن التفسير الأول أقرب إلى الصحة، لأنه يوافق ظاهر الآية ولا يحتاج إلى الحذف والتقدير، وتؤيده جملة وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال أي إن مكرهم مهما كان قويا. ومهما كانت لديهم قدرة على المؤامرة، فان الله أعلم بهم وأقدر عليهم وسيدمر كل ما مكروا.
ثم يتوعد الله الظالمين والمسيئين مرة أخرى من خلال مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله لأن الإخلاف يصدر من الذي ليست له قدرة واستطاعة، ولكن: إن الله عزيز ذو انتقام.
وهذه الآية - في الواقع - مكملة للآية التي قبلها ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون.
وتعني أن المهلة التي أعطيت للظالمين ليست بسبب أن الله غافل عنهم وعن