وثالثا: إننا نقرأ في ذيل هذه الآية كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء والمراد بالفحشاء هو التلوث وعدم العفة.. والمراد بصرف السوء، هو نجاته من مخالف امرأة العزيز، وعلى كل حال فحين رأى يوسف برهان ربه... تجنب الصراع مع امرأة العزيز وضربها، لأنه قد يكون دليلا على تجاوزه وعدوانه عليها، ولذا رجح أن يبتعد عن ذلك المكان ويفر نحو الباب.
3 - مما لا شك فيه أن يوسف كان شابا يحمل جميع الأحاسيس التي في الشباب، وبالرغم من أن غرائزه كانت طوع عقله وإيمانه.. إلا أن مثل هذا الإنسان - بطبيعة الحال - يهيج طوفان في داخله لما يشاهده من مثيرات في هذا المجال، فيصطرع العقل والغريزة، وكلما كانت أمواج المثيرات أشد كانت كفة الغرائز أرجح، حتى أنها قد تصل في لحظة خاطفة إلى أقصى مرحلة من القوة، بحيث لو تجاوز هذه المرحلة خطوة لهوى في مزلق مهول، ولكن قوة الإيمان والعقل ثارت في نفسه فجأة وتسلمت زمام الأمور في انقلاب عسكري سريع وكبحت جماح الشهوة.
والقرآن يصور هذه اللحظة الخاطفة الحساسة والمتأزمة التي وقعت بين زمانين هادئين - في الآية المتقدمة - فيكون المراد من قوله تعالى: وهم بها لولا أن رأى برهان ربه إن يوسف انجر إلى حافة الهاوية في الصراع بين الغريزة العقل، ولكن فجأة ثارت قوة الإيمان والعقل وهزمت طوفان الغريزة (1)..
لئلا يتصور أحد أن يوسف عندما استطاع أن يخلص نفسه من هذه الهاوية فلم يقم بعمل مهم، لأن أسباب الذنب والهياج الجنسي كانت فيه ضعيفة.. كلا أبدا..
فهو في هذه اللحظة الحساسة جاهد نفسه أشد الجهاد.