وارتجف حين رأى الجمع وليس بينهم يوسف، وسأل عنه مستفسرا... فأجابوه و قالوا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا لصغر سنه ولأنه لا يعرف التسابق، وانشغلنا عنه فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين.
لأنك أخبرتنا من قبل بهذا الاحتمال، وستظن أن ادعاءنا مجرد احتيال.
لقد كان كلام إخوة يوسف مدروسا بشكل دقيق، وذلك - أولا - لأنهم خاطبوا يعقوب بقولهم بكلمة " يا أبانا " وفيها ما فيها من الاستعطاف.
وثانيا: لأن من الطبيعي أن ينشغل هؤلاء الإخوة الأقوياء بالتسابق، ويتركوا أخاهم الصغير رقيبا على متاعهم، وبعد ذلك كله فقد جاؤوا أباهم يبكون لتمرير خطتهم، وقالوا له: وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين.
ومن أجل أن يبرهنوا على صحة كلامهم فقد جاءوا على قميصه بدم كذب إذ لطخوا الثوب بدم الغزال أو الخروف أو التيس...
ولكن حيث أن الكاذب لا يمتلك حافظة قوية، وحيث أن أية حقيقة فيها علائق مختلفة وكيفيات ومسائل يقل أن تجتمع منظمة في الكذب، فقد غفل إخوة يوسف عن هذه المسألة الدقيقة... وهي - على الأقل - أن يخرقوا قميص يوسف الملطخ بالدم ليدل على هجوم الذئب... فقد قدموا القميص سالما غير مخرق فأحس الأب بمؤامرتهم، فما إن وقعت عيناه على القميص حتى فهم كل شئ و قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا.
جاء في بعض الروايات أن يعقوب أخذ قميص يوسف وهو يقلبه ويقول:
" ما أرى أثر ناب ولا ظفر إن هذا السبع رحيم "، وفي رواية أنه أخذ القميص وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص، وقال: تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل ابني ولم يمزق على قميصه، وجاء أنه بكى وصاح وحر مغشيا عليه فأفاضوا على الماء فلم يتحرك ونادوه فلم يجب ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفس ولا تحرك له عرق، فقال: ويل لنا من