هناك أثر من رؤيا فرعون التي أصبح يوسف بسببها عزيز مصر!
ففي الحقيقة إن الله أجلس يوسف على عرش الاقتدار بواسطة إخوته الذين تصوروا أنهم سيقضون عليه في تركهم إياه في غيابة الجب.
لقد واجه يوسف في هذا المحيط الجديد، الذي يعد واحدا من المراكز السياسية المهمة في مصر مسائل مستحدثة... فمن جهة كان يرى قصور الطغاة المدهشة وثرواتهم ومن جهة أخرى كانت تتجسد في ذهنه صورة أسواق النخاسين وبيع المماليك والعبيد... ومن خلال الموازنة بين هاتين الصورتين كان يفكر في كيفية القضاء على هموم المستضعفين من الناس لو أصبح مقتدرا على ذلك!
أجل، لقد تعلم الكثير من هذه الأشياء في هذا المحيط المفعم بالضوضاء، وكان قلبه يفيض هما لأن الظروف لم تتهيأ له بعد. فاشتغل بتهذيب نفسه وبنائها، يقول القرآن الكريم في هذا الصدد: ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين.
كلمة " أشد " مشتقة من مادة " شد " وتعني فتل العقدة باستحكام... وهي هنا إشارة إلى الاستحكام الجسماني والروحاني.
قال بعضهم: إن هذه الكلمة جمع لا مفرد لها... ولكن البعض الآخر قال: إنها جمع (شد) على وزن (سد) ولكن معناها الجمعي غير قابل للإنكار على كل حال!
المراد من " الحكم " و " العلم " الواردين في الآية المتقدمة التي تقول: ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما... إما أن يكون مقام النبوة كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين، وإما أن يكون المراد من الحكم العقل والفهم والقدرة على القضاء الصحيح الخالي من اتباع الهوى والاشتباه. والمراد من العلم الاطلاع الذي لا يقترن معه الجهل، ومهما كان فإن الحكم والعلم موهبتان نادرتان وهبهما