ربما يحرك النسيم العليل ماء الحوض الصغير، ولكن المحيطات العظيمة كالمحيط الهادي - مثلا - يستوعب حتى الاعصار الذي يتلاشى أمام هدوئه وسعته.
وقد يتصبر الإنسان أحيانا، ولكنه سرعان ما يتلف هذا الصبر بكلماته النابية التي تدل على عدم الشكر وعدم تحمل الحادثة ونفاد الصبر.
ولكن المؤمنين الذين يتمتعون بإرادة قوية واستيعاب للحوادث، هم أولئك الذين لا يتأثرون بها ولا يجري على لسانهم ما يدل على عدم الشكر وكفران النعمة أو الجزع أو الهلع.
صبر هؤلاء هو الصبر الجميل...
قد يبرز الآن هذا السؤال، وهو أننا نقرأ في الآيات الأخرى - من هذه السورة - أن يعقوب بكى على يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، أفلا ينافي ما صدر من يعقوب صبره الجميل؟!
والجواب على هذا السؤال في جملة واحدة، وهي: إن قلوب عباد الله مركز للعواطف، فلا عجب أن ينهل دمع عينهم مدرارا، المهم أن يسيطروا على أنفسهم، ولا يفقدوا توازنهم، ولا يقولوا شيئا يسخط الله.
ومن الطريف أن مثل هذا السؤال وجه إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حين بكى على موت ولده إبراهيم حيث قالوا له: يا رسول الله، أتنهانا عن البكاء وتبكي؟!
فأجابهم النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) " تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب ". وفي رواية أخرى أنه قال: " ليس هذا بكاء إنه رحمة " (1).
وهذا إشارة إلى أن ما في صدر الإنسان هو القلب، وليس حجر! وطبيعي أن يتأثر الإنسان أمام المسائل العاطفية، وأبسط هذا التأثر هو انهلال الدمع... إن هذا لا يعد عيبا، بل هو أمر حسن، العيب هو أن يقول الإنسان ما يسخط الرب.
* * *