ثالثة عدم ابتلائها بأي نوع من البلاء كما هي حال المتنعمين، وعدم الرقابة الشديدة على هذا القصر من قبل العزيز من جهة رابعة.. كل ذلك ترك امرأة العزيز - الفارغة من الإيمان والتقوى - تهوي في وساوسها الشيطانية إلى الحضيض، بحيث أفضت ليوسف أخيرا عما في قلبها وراودته عن نفسه.
واتبعت جميع الأساليب والطرق للوصول إلى هدفها، وسعت لكي تلقي في قلبه أثرا من هواها وترغيبها وطلبها، كما يقول عن ذلك القرآن الكريم:
وراودته التي هو في بيتها.
وجملة " راودته " مأخوذة من مادة " المراودة " وأصلها البحث عن المرتع والمرعى، وما ورد في المثل المعروف " الرائد لا يكذب أهله " إشارة إلى هذا المعنى، كما يطلق " المرود " على وزن (منبر) على قلم الكحل الذي تكحل به العين، ثم توسعوا في هذا اللفظ فاطلق على كل ما يطلب بالمداراة والملاءمة.
وهذا التعبير يشير إلى أن امرأة العزيز طلبت من يوسف أن ينال منها بطريق المسالمة والمساومة - كما يصطلح عليه - وبدون أي تهديد، وأبدت محبتها القصوى له بمنتهى اللين.
وأخيرا فكرت في أن تخلو به وتوفر له جميع ما يثير غريزته، من ثياب فضفاضة، وعطور عبقة شذية، وتجميلات مرغبة، حتى تستولي على يوسف وتأسره!.
يقول القرآن الكريم: وغلقت الأبواب وقالت هيت لك.
" غلقت " تدل على المبالغة وأنها أحكمت غلق الأبواب، وهذا يعني أنها سحبت يوسف إلى مكان من القصر المتشكل من غرف متداخلة.. وكما ورد في بعض الروايات كانت سبعة أبواب، فغلقتها عليه جميعا.. لئلا يجد يوسف أي طريق للفرار.. إضافة إلى ذلك أرادت أن تشعر يوسف أن لا يقلق لانتشار الخبر فإنه سوف لا يفتضح، حيث لا يستطيع أحد أن ينفذ إلى داخل القصر أبدا.