والطريف أن إخوة يوسف لم ينفذوا وصية أبيهم في البحث عن إخوتهم أولا، بل حاولوا الحصول على الطعام، ولأجل ذلك قابلوا العزيز وطلبوا منه المؤن والحبوب، ولعل السبب في ذلك ضعف أملهم في العثور على يوسف، أو لعلهم أرادوا أن يظهروا أنفسهم أمام العزيز والمصريين وكأنهم أناس جاؤوا لشراء الطعام والحبوب فقط، فمن ثم يطرحوا مشكلتهم أمام العزيز ويطلبوا منه المساعدة، فعند ذاك يكون وقع الطلب أقوى واحتمال تنفيذه أكثر.
قال بعض المفسرين: إن مقصود الإخوة من قولهم: تصدق علينا كان طلب الإفراج عن أخيهم لأنهم لم يطلبوا من العزيز الطعام والحبوب مجانا دون عوض حتى يطلبوا منه التصدق عليهم، فإنهم يدفعون ثمنه.
ونقرأ في روايات وردت في هذا المقام، أن الإخوة كانوا يحملون معهم رسالة من أبيهم إلى عزيز مصر، حيث مدح يعقوب في تلك الرسالة عزيز مصر وأكبر عدالته وصلاحه وشكره على ما بذله له ولعائلته من الطعام والحبوب، ثم عرف نفسه والأنبياء من أهل بيته وأخبره برزاياه وما تحمله من المصائب والمصاعب من فقده أعز أولاده وأحبهم إلى نفسه يوسف وأخيه بنيامين، وما أصابهم من القحط والغلاء، وفي ختام الرسالة طلب من العزيز أن يمن عليه ويطلق سراح ولده بنيامين، وذكره أن بنيامين سليل بيت النبوة والرسالة وأنه لا يتلوث بالسرقة وغيرها من الدناءات والمعاصي.
وحينما قدم الأولاد رسالة أبيهم إلى العزيز شاهدوا أنه فض الرسالة باحترام وقبلها ووضعها على عينيه وبدأ يبكي بحيث أن الدموع بلت ثيابه (1) (وهذا ما حير الإخوة، وبدأوا يفكرون بعلاقة العزيز مع أبيهم بحيث جعله يبكي شوقا وشغفا حينما فتحها، ولعل فعل العزيز أثار عندهم احتمال أن يكون يوسف هو العزيز، ولعل هذه الرسالة أثارت عواطف العزيز وشعوره بحيث لم يطق صبرا