الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٧ - الصفحة ١٦٠
يهتف على بابه: أطعموا السائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم، يهتف بذلك على بابه مرارا وهم يسمعونه، قد جهلوا حقه ولم يصدقوا قوله: فلما أيس أن يطعموه وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعه إلى الله باب وطاويا، وأصبح صائما جائعا صابرا حامدا لله، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعا بطانا وأصبحوا وعندهم من فضل طعامهم.
قال: فأوحى الله عزو جل إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد أذللت - يا يعقوب - عبدي ذلة استجررت بها غضبي، واستوجبت بها أدبي، ونزول عقوبتي وبلواي عليك وعلى ولدك يا يعقوب، إن أحب أنبيائي إلي وأكرمهم علي من رحم مساكين عبادي وقربهم إليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجأ يا يعقوب، ما رحمت " ذميال " عبدي المجتهد في عبادته، القانع باليسير من ظاهر الدنيا عشاء أمس لما عبر ببابك عند أوان افطاره ويهتف بكم: أطعموا السائل الغريب المجتاز القانع، فلم تطعموه شيئا. فاسترجع واستعبر وشكا ما به إلي وبات جائعا وطاويا حامدا، أصبح لي صائما، وأنت - يا يعقوب - وولدك شباع، وأصبحت وعندكم فضل من طعامكم.
أو علمت - يا يعقوب - أن العقوبة والبلوى أوليائي أسرع منها إلى أعدائي...
الخ... (1).
ومن الطريف أن أبا حمزة يقول: سألت الإمام زين العابدين (عليه السلام) متى رأى يوسف رؤياه؟ فقال الإمام: في تلك الليلة " (2).
يستفاد من هذا الحديث أن زلة بسيطة أو بعبارة أدق: " ترك الأولى " وهو لا يعد خطيئة أو إثما، لأن يعقوب له يتضح له حال السائل... هذا الترك من قبل الأنبياء والأولياء يكون سببا لأن يبتليهم الله بلاء شديدا... وما ذلك إلا لمقامهم

1 - تفسير البرهان، ج 2، ص 243 ونور الثقلين، ج 2، ص 411.
2 - المصدر السابق.
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»
الفهرست