ولو كان القياس بين الإيمان وسقاية الحاج المقرونة بالإيمان والجهاد، لكانت جملة والله لا يهدي القوم الظالمين لغوا - والعياذ بالله - لأنها حينئذ لا مفهوم لها هنا.
ثالثا: إن الآية الثانية - محل البحث - التي تقول الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة مفهومها أن أولئك أفضل وأعظم درجة ممن لم يؤمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا في سبيل الله، وهذا المعنى لا ينسجم وكلام النعمان - آنف الذكر - لأن المتكلمين وفقا لحديثه كلهم مؤمنون ولعلهم أسهموا في الهجرة والجهاد.
رابعا: كان الكلام في الآيات المتقدمة عن إقدام المشركين على عمارة المساجد وعدم جواز ذلك: ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله والآيات محل البحث تعقب على الموضوع ذاته، ويدل هذا الأمر على أن موضوع الآيات هو عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج حال الشرك، وهذا لا ينسجم ورواية النعمان.
والشئ الوحيد الذي يمكن أن يستدل عليه هو التعبير ب أعظم درجة حيث يدل على أن الطرفين المقيسين كل منهما حسن بنفسه، وإن كان أحدهما أعظم من الآخر.
إلا أن الجواب على ذلك واضح، لأن أفعل التفضيل غالبا تستعمل في الموازنة بين أمرين، أحدهما واجد للفضيلة والآخر غير واجد، كأن يقال مثلا:
الوصول متأخرا خير من عدم الوصول، فمفهوم هذا الكلام لا يعني أن عدم الوصول شئ حسن، لكن الوصول بتأخير أحسن.
أو أننا نقرأ في القرآن والصلح خير أي من الحرب [سورة النساء الآية 28] فهذا لا يعني أن الحرب شئ حسن.
أو نقرأ مثلا ولعبد مؤمن خير من مشرك [سورة البقرة الآية 221] ترى