تستكمل البحث الذي تناولته الآيات المتقدمة، ونظير ذلك كثير في القرآن.
فالآية الأولى من هذه الآيات تقول: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم والآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين.
" السقاية " لها معنى مصدري وهو إيصال الماء للآخرين، وكما تعني المكيال، كما جاء في الآية 70 من سورة يوسف فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه وتعني الإناء الكبير أو الحوض الذي يصب فيه الماء.
وكان في المسجد الحرام بين بئر زمزم والكعبة محل يوضع فيه الماء يدعى ب " سقاية العباس " وكان معروفا آنئذ، ويبدو أن هناك إناء كبيرا فيه ماء يستقى منه الحاج يومئذ.
ويحدثنا التأريخ أن منصب " سقاية الحاج " قبل الإسلام كان من أهل المناصب، وكان يضاهي منصب سدانة الكعبة، وكانت حاجة الحاج الماسة في أيام الحج إلى الماء في تلك الأرض القاحلة اليابسة المرمضة (1) التي يقل فيها الماء، وجوها حار أغلب أيام السنة، وكانت هذه الحاجة الماسة تولي موضوع " سقاية الحاج " أهمية خاصة، ومن كان مشرفا على السقاية كان يتمتع بمنزلة اجتماعية نادرة، لأنه كان يقدم للحاج خدمة حياتية.
وكذلك " عمارة المسجد الحرام " أو سدانته ورعايته، كان لها أهميته الخاصة، لأن المسجد الحرام حتى في زمن الجاهلية كان يعد مركزا دينيا، فكان المتصدي لعمارة المسجد أو سدانته محترما.
ومع كل ذلك فإن القرآن يصرح بأن الإيمان بالله وباليوم الآخر والجهاد في سبيل الله أفضل من جميع تلك الأعمال وأشرف.