وهي ما نقل عن النعمان بن بشير إذ يقول: كنت جالسا في عدة من أصحاب النبي إلى جوار منبره، فقال بعضهم: لا أرى عملا بعد الإسلام أفضل من سقاية الحاج وإروائهم، وقال الآخر: إن عمارة المسجد الحرام أفضل من كل عمل، فقال الثالث، في سبيل الله أفضل مما قلتما.
فنهاهم عمر عن الكلام وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - وكان ذلك اليوم يوم الجمعة - ولكني سأسأل رسول الله بعد الفراغ من الصلاة - صلاة الجمعة - في ما اختلفتم فيه.
وبعد أن أتم صلاته جاء إلى رسول الله فسأله عن ذلك، فنزلت الآيات محل البحث (1).
إلا أن هذه الرواية لا تنسجم والآيات محل البحث من عدة جهات، ونحن نعرف أن كل رواية مخالفة للقرآن ينبغي أن تطرح جانبا ويعرض عنها، لأنه:
أولا: لم يكن في الآيات محل البحث قياس ما بين الجهاد وسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، بل القياس ما بين سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام من جهة، والإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد من جهة أخرى، وهذا يدل على أن من كان يقوم بمثل السقاية والعمارة في زمان الجاهلية كان يقيس عمله بالإيمان والجهاد. فالقرآن يصرح بأن سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام لا يستويان - كل منهما - مع الإيمان بالله والجهاد في سبيله وليس القياس بين الجهاد وعمران المسجد وسقاية الحاج (لاحظ بدقة).
ثانيا: إن جملة والله لا يهدي القوم الظالمين تدل على أن أعمال الطائفة الأولى كانت معروفة بالظلم، وإنما يفهم ذلك فيما لو كانت هذه الأعمال صادرة في حال الشرك، لإن القرآن يقول إن الشرك لظلم عظيم (2).