هذا وقد وقع بين المفسرين كلام في أنه هل كان لموسى (عليه السلام) ميقات واحد مع ربه، أو أكثر من ميقات واحد؟ وقد أقام كل واحد منهم شواهد لإثبات مقصوده من القرآن الكريم، ولكنه كما قلنا سابقا - في ذيل الآية (142) من هذه السورة - أنه يظهر من مجموع القرائن في القرآن الكريم والروايات أن موسى (عليه السلام) كان له ميقات واحد، وذلك برفقة جماعة من بني إسرائيل.
وفي هذا الميقات بالذات أنزل الله الألواح على موسى وكلمه (عليه السلام)، وفي نفس هذا الميقات اقترح بنو إسرائيل على موسى (عليه السلام) أن يطلب من الله أن يريهم نفسه جهرة. في هذا الوقت نفسه نزلت الصاعقة أو حدث الزلزال وغشي على موسى (عليه السلام) وسقط بنو إسرائيل على الأرض مغشيا عليهم، وقد ورد هذا الموضوع في حديث مروي عن علي بن إبراهيم في تفسيره.
إن كيفية وضع آيات هذه السورة وإن كان يحدث - في بادئ النظر - إشكالا، وهو: كيف أشار الله تعالى أولا إلى ميقات موسى (عليه السلام) ثم ذكر قصة عبادة العجل، ثم عاد مرة أخرى إلى مسألة الميقات؟
هل هذا النظم وهذا الطراز من الكلام يناسب الفصاحة والبلاغة التي يتسم بها القرآن الكريم؟
ولكن مع الالتفات إلى أن القرآن ليس كتاب تأريخ يسجل الحوادث حسب تسلسلها، بل هو كتاب هداية وتربية وبناء إنساني، وفي مثل هذا الكتاب توجب أهمية الموضوع أن يترك متابعة حادثة مؤقتا، ويعمد إلى بحث ضروري آخر، ثم يعود مرة أخرى لنفس الحادثة الأولى.
بناء على هذا لا توجد أية ضرورة إلى أن نعتبر الآية المذكورة هنا إشارة إلى بقية قصة عبادة العجل، ونقول: إن موسى (عليه السلام) ذهب مرة أخرى بصحبة بني إسرائيل إلى جبل الطور بعد قضية عبادة العجل للاعتذار إلى الله والتوبة، كما قال بعض المفسرين، لأن هذا الاحتمال بغض النظر عن جهات أخرى يبدو بعيدا في