هددهم بأشد التهديدات، ولكن على العكس من توقعات فرعون أظهر السحرة مقاومة عجيبة تجاه هذين الموقفين، مقاومة أغرقت فرعون وجهازه في تعجب شديد، وأفشلت جميع خططه. وبهذه الطريقة وجهوا ضربة ثالثة إلى أركان السلطان الفرعوني المتزلزل، وقد رسمت الآيات اللاحقة هذا المشهد بصورة رائعة.
في البداية يقول: إن فرعونا قال للسحرة: هل آمنتم بموسى قبل أن آذن لكم قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم؟!
وكأن التغيير ب " به " لأجل تحقير موسى والازدراء به، وكأنه بجملة " قبل أن آذن لكم " أراد أن يظهر أنه يتحرى الحقيقة ويطلب الحق، فلو كان عمل موسى (عليه السلام) يتسم بالحقيقة والواقعية لأذنت أنا للناس بأن يؤمنوا به، ولكن استعجالكم أكشفت عن زيفكم، وأن هناك مؤامرة مبينة ضد شعب مصر.
وعلى أية حال، أفادت الجملة أعلاه أن فرعون الجبار الغارق في جنون السلطة كان يدعي أن لا يحق للشعب أن يتصرف أو يعمل أو يقول شيئا من دون إجازته وإذنه، بل لا يحق لهم أن يفكروا ويؤمنوا بدون أمره وإذنه أيضا!!
وهذه هي أعلى درجات الاستعباد والاستحمار، أن يكون شعب من الشعوب أسيرا وعبدا بحيث لا يحق له حتى التفكير والإيمان القلبي بأحد أو بعقيدة.
وهذا هو البرنامج الذي يواصله " الاستعمار الجديد "، يعني أن المستعمرين لا يكتفون بالاستعمار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، بل يسعون إلى تقوية جذورهم عن طريق الاستعمار الفكري.
وتتجلى مظاهر هذا الاستعباد الفكري في البلاد الشيوعية أكثر فأكثر، بالحدود المغلقة، والأسوار الحديدية والرقابة الشديدة المفروضة على كل شئ، وبخاصة على الأجهزة الثقافية.