كل واحد من تلك المكامن والأعضاء، أنواع القوى البصرية والسمعية والشمية والذوقية واللمسية، ثم حصل لك في ثدي الام أحسن الأشياء رقة وخاصة يناسب حالك، وهو اللبن اللطيف اللذيذ للشاربين، ثم أعطف - تعالى وتقدس - عواطف الأمهات والآباء عليك، وجعلك في خبايا قلوبهم وزوايا نفوسهم مورد الحب والشوق والعشق، حفظا لك عما يتوجه إليك، ودافع عنك المضار والمضادات الوجودية البالغة إلى ملايين عددا بل نوعا، وانظر إلى ما خلقه وهيأه لتربيتك البدنية، من الأغذية والأشربة المختلفة الأنواع المتشابهة وغير المتشابهة، وأنه تعالى كيف لاحظ في ذلك تسهيل الأمور عليك، وكيف لطف بك وفي حقك، من بذل هذه الأنعم والآلاء غير القابلة للإحصاء، فإذا تفكرت ساعة وتأملت دقيقة من هذه الناحية - وهي النشأة المادية - فاعطف وجهك ونظرك إلى المسائل الروحية والآداب الأخلاقية والاعتقادات الروحانية.
فإنه تعالى وتقدس عالم بالأسرار والعوالم، ويرى حاجتك في سائر الآفاق والظروف، فيهيئ الأسباب المورثة لخلاصك من الآفات والبلايا، التي في جنبها تلك البلايا الدنيوية ضئيلة جدا ويسيرة واقعا.
فأرسل الرسل وأنزل الكتب، وقد تحمل في ذلك الرسل المعظمون والأنبياء الشامخون، مصائب كثيرة مما لا يعد ولا يحصى، وقد امتلأت كتب التواريخ من تلك الرزايا المتوجهة إليهم - عليهم الصلاة والسلام -