حقيقة الحمد في عرف المكاشفين وأرباب اليقين، والإظهار القولي حمد المحجوبين وأرباب السجن والحس، والإظهار الفعلي من الله تعالى وحمده ذاته تبارك وتقدس، هو أجمل مراتب الحمد، وهو بسطه الوجود على كافة الممكنات، وعلى وجه لا يعد ولا يحصى، وقد وضع عليها موائد كرمه التي لا تتناهى. وبذلك قد كشف عن صفات كماله ونعوت جلاله، وأظهرها بدلالات عقلية تفصيلية غير متناهية، فإن كل ذرة من الذرات تدل عليها، وهذه الدلالات لا يكون قالبها الألفاظ والأوضاع الاعتبارية، ولذلك صار أقوى وأتم، فجميع الموجودات حمد الله تعالى، أي كما أن الألفاظ الصادرة من أرباب القول حمد الله بالحمل الأولي أو الشائع، كذلك الأعيان الثابتة - المتحلية بحلية الفيض المقدس، والوجود المنبسط، والنور الساطع، والظل البارع - حمده تعالى، فإن حمد كل موجود بحسبه، والقاصر يتوهم: أن حمد الله تعالى لفظي، فإنه لو كان كذلك لما صح قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما نسب إليه (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " (1)، فإنه يعلم أن حمد الله نفسه أمر آخر وراء إمكان البشر والرسول الأعظم.
وفي اعتبار آخر: جميع الموجودات في نظامه الجملي حمد واحد، لما قد اشتهر: أن الجميع بمنزلة الإنسان الكبير الواحد له وحدة ظلية حقيقية حقة، وله صورة واحدة، وهي الحقيقة التامة المحمدية، فيصح