أقول: هذا غير معقول، لأن النصب لابد وأن يستند إلى عامل مذكور أو محذوف أو عامل معنوي، كالابتداء - مثلا - في المبتدأ. فإذا قيام المصدر مقام فعله لا يكفي لنصبه، فإن نفس القيام لا يقتضي النصب. فما اشتهر غير راجع إلى محصل.
فالحمد لله، على النصب معناه: أحمد الحمد لله، وهذا بحسب الدقة غير صحيح، لأن الحمد لا يحمد، ولكنه من قبيل قولهم: " كل ذنب أذنبته وكل خطيئة أخطأتها "، فإن المتكلم يريد الاستغفار من كل ذنب ارتكبه، ولا يعقل أن يجعل الذنب هو، فأخذ مادة الذنب في الفعل لا تدل على شئ، والهيئة تدل على الصدور، أي كل ذنب وخطيئة أصدرته وأوجدته، فأحمد الحمد لله، أو أوجد الحمد لله، واخصص الحمد لله...
وهكذا مما يناسب مقصوده.
وإذا قرأناه على الجر والكسر فهو لأجل اتباع الدال اللام في حركتها (1) وهذا هو الاكتساب من المجاورة، كما قيل في قوله تعالى:
* (وجعلنا من الماء كل شئ حي) * (2) فإن قضية القواعد احتياج الفعل هنا إلى مفعولين، فلو كان " حي " صفة لشئ، يلزم كون " جعل " بمعنى خلق، ويصير من أقسام الجعل البسيط، وهو خلاف الأصل فيه، فالمعنى هكذا:
جعلنا من الماء كل شئ حيا، ولكنه مجرور بالمجاورة فتأمل.