النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: سألته عن ليلة القدر، فقال: ينزل الله فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا، فيكتبون ما يكون من أمر السنة، وما يصيب العباد، وأمر ما عنده موقوف له فيه المشيئة، فيقدم منه ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويمحو ويثبت، وعنده أم الكتاب. وروى الفضيل قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: العلم علمان: علم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحد، يحدث فيه ما يشاء. وروى زرارة عن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: هما أمران: موقوف ومحتوم، فما كان من محتوم، أمضاه، وما كان من موقوف فله فيه المشيئة، يقضي فيه ما يشاء والخامس: انه في مثل تقتير الأرزاق والمحن، والمصائب، يثبته في أم الكتاب، ثم يزيله بالدعاء والصدقة، وفيه حث على الانقطاع إليه سبحانه السادس: إنه يمحو بالتوبة جميع الذنوب، ويثبت بدل الذنوب حسنات يبينه قوله * (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) *. عن عكرمة والسابع: انه يمحو ما يشاء من القرون، ويثبت ما يشاء منها، كقوله * (ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) * وقوله: * (كم أهلكنا قبلهم من القرون) * وروي ذلك عن عليه السلام والثامن: إنه يمحو ما يشاء يعني القمر، ويثبت يعني الشمس، وبيانه: * (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) * عن السدي. وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي لا يغير ولا يبدل، لأن الكتب المنزلة انتسخت منه، فالمحو والإثبات إنما يقع في الكتب المنتسخة، لا في أصل الكتاب، عن أكثر المفسرين.
وقيل: إن ابن عباس سأل كعبا عن أم الكتاب، فقال: علم الله ما هو خالق، وما خلقه عاملون فقال لعلمه: كن كتابا، فكان كتابا. وقيل: إنما سمي أم الكتاب، لأنه الأصل الذي كتب فيه، أو سيكون كذا وكذا لكل ما يكون، فإذا وقع كتب أنه قد كان ما قيل أنه سيكون. والوجه في ذلك ما فيه من المصلحة والاعتبار لمن تفكر فيه من الملائكة الذين يشاهدونه إذا قابلوا ما يكون بما هو مكتوب فيه، وعلموا أن ما يحدث على كثرته، قد أحصاه الله تعالى وعلمه، قبل أن يكون. مع أن ذلك أهول في الصدور، وأعظم في النفوس، حتى كان من تصوره وفكر فيه، شاهدا له.